إنها دمشق.. وكفى!!
عزيزي القارئ: هل يمكنك أن تسير معي قليلاً في شوارع دمشق العتيقة؟ هذا هو الجامع الأموي، وذلك سوق الحميدية، وهناك حي الميدان، وتلك هي الجابية وهناك أحياء دمشق وجبل قاسيون
عزيزي القارئ: هل يمكنك أن تسير معي قليلاً في شوارع دمشق العتيقة؟ هذا هو الجامع الأموي، وذلك سوق الحميدية، وهناك حي الميدان، وتلك هي الجابية وهناك أحياء دمشق وجبل قاسيون
الجمعة - 06 فبراير 2015
Fri - 06 Feb 2015
عزيزي القارئ: هل يمكنك أن تسير معي قليلاً في شوارع دمشق العتيقة؟
هذا هو الجامع الأموي، وذلك سوق الحميدية، وهناك حي الميدان، وتلك هي الجابية وهناك أحياء دمشق وجبل قاسيون.
.
حسناً بإمكانك أن تنظر أمامك.
.
انظر وتأمل.
.
هنا كان يقف الخليفة المسلم يودع الجيوش الفاتحة، الجيوش التي تنقذ الناس من العبودية لغير الله، سيتغير لون بشرة وجهك حينما تتخيله، وسيقف شعر رأسك لهيبة الموقف العظيم، وربما تجرأت على أمر نفسي فرضه الواقع، حيث ستصرخ أمام الجموع الحافلة والحاشدة بكل صوتك:
حضرات السادة الخلفاء أيها القادة العظماء أيتها العساكر المتوضئة الطاهرة اسمحوا لي بسؤال من قلب مكلوم!!: هل ما زلنا أقوياء يخافنا الشرق والغرب؟ هل جيوشنا الحاشدة تهابها أمم اليوم في الأرض؟ أجيبوا بربكم وأسمعوني بالله عليكم!!.
ستصرخ حتى تتقطع أنفاسك كمداً وغيظاً وقهراً، وستسيل دموعك حتى تبتل الأرض من تحتك، ولن يجيبك إلا صدى البيوت القائمة التي تشهد على الأجيال المتأخرة بالخزي والعار.
ربما يتمثل لك في هذه الأزقة والحارات القديمة شبح شخص أبيض مليء حياء وديناً وخلقاً، سيخيل لك أنه عمر بن عبدالعزيز ذلك الخليفة الأسطورة الخالدة، ستراودك نفسك لو رأيته على حقيقته أن تبكي أمامه دماً أحمر قانياً وأن تقبل رأسه ويديه، ستسمع هنا ثناء الناس عليه ومحبتهم لهذا الخليفة العادل المتواضع.
تتسابق أنفاسك، وأنت تمشي بجوار مسجد قديم حتى لتكاد أن تسمع صوت ابن تيمية وابن القيم وهما يدعوان الناس للخير والهداية، هنا ترى المزي وابن تيمية وابن عبدالهادي وابن رجب وهم يحاربون الخرافة والضلالة، سيحدثك الناس عن سجن الأنظمة الظالمة لأبي العباس ابن تيمية، سيحدثك الناس عن الظلم الواقع عليه، وسيحدثونك أيضاً عن رحمته وصفحه عن خصومه، لن تسمع منهم أنه طالب بسجن خصومه أو طالب بتعويض عن الأذى الجسدي والمعنوي الذي لحقه جراء الخصومة الفاجرة، بل ستعجب عندما تسمع حديثهم عن دفاعه عن مملكة الإسلام وجمعه الفقهاء بكل مذاهبهم واختلافاتهم تحت راية واحدة للجهاد ضد الغزاة التتار، سيخبرونك أنه كان رأساً في العلم ورأساً في الشجاعة ورأساً في الزهد والورع.
وستقرأ مذكرات ابن كثير الدمشقي في كتابه البداية والنهاية وهو يخبرك عن لحظات الدموع والحزن يوم مات ابن تيمية في سجنه، سيحدثك أن هذه الحوانيت والدكاكين والتجارة التي لا يرى أولها من آخرها قد توقفت جميعها، سيخبرك أن مئات الألوف من البشر خرجوا لوداع عالمهم الصادق، خرجت دمشق كلها بكل أطيافها ومذاهبها، سيحدثك عن بكاء الرجال والنساء، سيخبرك عن (الشوام) الذين لا يحملون إلا الشرف والوفاء، رغم استبداد الأنظمة الحاكمة عبر التاريخ، سيخبرك أن العالم الصادق لا بد أن يعاني، ولا بد أن يكابد، لكنه رغم كل ذلك رحمة للبشرية والإنسانية، فهو لا ينتقم لنفسه ولا يطلب جاهاً ليذل غيره، ولا يكون عوناً للظالمين لكي يجلدوا ظهور الفقراء والمساكين.
ستشاهد أوراقاً وكتباً فيخيل إليك أن ابن عساكر قائم هناك يدون تاريخ دمشق، مجلدات صنفها هذا الرجل الدمشقي زادت عن سبعين مجلدا كلها عن تاريخ تلك المدينة الخالدة.
سيدور بخلدك أمام ذلك البيت العربي الجميل أن بداخله الآن الإمام الذهبي وهو يصنف تاريخ الإسلام، ستسمع منه أخباراً جميلة عن سير النبلاء، وطبقات الشيوخ وحفاظ الدنيا، إنه يكتب من دمشق المدينة التي أحبها وتحبه، يكتب من هنا تاريخ الحضارة الإسلامية العظيمة، سيحدثك الذهبي بعد ذلك عن دمشق وتناقضاتها، سيحدثك عن العالم والزاهد والفاسق والملحد والتاجر والملك العادل والملك الظالم والمغني والشاعر، سيصحبك كمرشد سياحي في رحلة مكتوبة مجانية للتعرف على دمشق كما هي.
حينها ستبكي معي ومع الملايين على حضارة الإسلام هناك كيف دمرها السفهاء والطغاة.
.
اللهم كن للشام وأهلها.
.
khedr.
s@makkahnp.
com