غموض التحول العراقي
التحول الكبير الذي حدث في المشهد العراقي أربك الرؤى السياسية والإعلامية في كيفية التعامل معه، حيث تم تصوير الحدث بأكثر من طريقة قبل أن تستقر على رؤيته وفقا لمصلحة كل جهة في تحديد طريقة عرضه،
التحول الكبير الذي حدث في المشهد العراقي أربك الرؤى السياسية والإعلامية في كيفية التعامل معه، حيث تم تصوير الحدث بأكثر من طريقة قبل أن تستقر على رؤيته وفقا لمصلحة كل جهة في تحديد طريقة عرضه،
السبت - 21 يونيو 2014
Sat - 21 Jun 2014
التحول الكبير الذي حدث في المشهد العراقي أربك الرؤى السياسية والإعلامية في كيفية التعامل معه، حيث تم تصوير الحدث بأكثر من طريقة قبل أن تستقر على رؤيته وفقا لمصلحة كل جهة في تحديد طريقة عرضه، فالمبالغة في (دعشنة) الحدث العراقي بدت مضرة جدا، فهي تعزز الدعاية لـ»أسطرة» داعش وقوتها على حساب السنة والعشائر السنية، وبالرغم من مرور عدة أيام على الأحداث فقد ظل الحديث عن الفضيحة الكبرى والتاريخية حول كيفية سقوط الموصل، وهروب جيش ضخم بمعداته وأجهزته يفوق الخمسين ألف من بضعة آلاف مسلح غامضا، فكل ما قيل حتى الآن هو تصريحات عامة عن خيانات، ومجرد تحليلات وتخمينات إعلامية، وليست معلومات محددة. جهز كل طرف مؤامرته الخاصة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه نوري المالكي في تصريحاته عن حدوث مؤامرة وخيانة ليفسر بها انهيار فرقة كاملة من الجيش، كان آخرون يتحدثون عن مؤامرة من المالكي نفسه لمصالحه السياسية وفرض تدخل أمريكي جديد تحت مسمى مواجهة الإرهاب. وأن انهياره كان مفتعلا لتوفير الدعم الأمريكي له. المشهد الآن يعزز التعاون الأمريكي الإيراني بصورة أكبر بالرغم من أن إيران جزء من المشكلة، لكن أمريكا تبدو مضطرة له في هذه المرحلة.
الحالة العراقية تأخذ الآن بعدا جديدا وأكثر تعقيدا من المرحلة السابقة بدخول عوامل إقليمية ودولية ومحلية مع وجود تنظيمات مسلحة متعددة. في الوقت الذي يتحدث فيه المالكي عن مؤامرات ودعم لهذه التنظيمات.. يأتي السؤال عن من أتاح في 29 يوليو من العام الماضي الفرار لحوالي 500 معتقل من سجن أبو غريب والتاجي، معظمهم من القاعدة، وقد أشار وزير العدل العراقي بأنه كان مدبرا من مسؤولين عراقيين للتأثير على الوضع في سوريا لمنع حدوث ضربة لنظام بشار في حينها.
القول بأن المالكي هو المشكلة يبدو متفقا عليه من الجميع، وله خصوم حتى من الشيعة. يتحمل المالكي فشل تجربة الديمقراطية العراقية بعد أكثر من ثماني سنوات، لكن مشكلة العراق اليوم تبدو أكثر تعقيدا من اختزالها بين المالكي وداعش. فهل المشكلة في نظام المحاصصة الذي كرس الطائفية وأعاق انتعاش العراق من جديد. كثيرون انتقدوا منذ سنوات دولة المحاصصة وحذروا منها في البدايات، واتضح من التجربة أن هذا النظام في دولة غنية بالثروات يزيد من مساحة الفساد بصورة أكبر، ولهذا تضخم عدد الوزارات في العراق من أجل استعمالها في إرضاء عدة أطراف، لكن هذا النظام حتى نوري المالكي نفسه أصبح ينتقده!
بريمر في مذكراته عن المرحلة الانتقالية التي أدار فيها العراق لمدة 14 شهرا، أشار إلى كثير من الجوانب والقصص الشخصية لأسماء مؤثرة في المشهد العراقي حاليا يشرح فيها كيفية نشوء الدستور وهذا النظام الحالي، ومسؤولية كثير من الأطراف، وقصة لقائه بكثير من الشخصيات بما فيهم زعماء العشائر. وشرح ما يتعلق بقضية حل جيش صدام واجتثاث البعث، وخطته لاستبعاد 20 ألف بعثي بما يساوي 1% من أعضاء حزب البعث. ويرى أن «صدام كان يمتلك جيشا أكبر من الجيش الأمريكي في الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان الولايات المتحدة عشرة أضعاف سكان العراق، وكان في الجيش العراقي 11 ألف جنرالا مقابل 300 فقط في الجيش الأمريكي» وأشار إلى أن «المشكلة المزمنة في العراق: لا زعماء سنة يعتد بهم الناشطون السنة تم استيعابهم في البعث أو الأمن أو تم اغتيالهم..»
جزء من الغموض المربك اليوم في التحول العراقي، هو كيفية تحديد القوى المؤثرة في التغير الذي حدث، وما هو حجم البعث من جيش صدام المسرح في عدده الضخم في قوة داعش اليوم، والتي تبدو خليطا مركبا بين البعث والقاعدة. قبل أكثر من عشر سنوات نشرت مقالا بعنوان «العراق الجديد: فشل في التخيل» فقد كانت المشكلة عربيا في كيفية تخيل صورة عراق ما بعد صدام، وكان حينها القلق العربي من نشوء ديمقراطية على ظهر دبابة هو المسيطر، والفشل مطلوب، والآن يبدو الخوف مختلفا.. إنه الخوف من انهيار الدولة العراقية وانقسامها إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها، وتتكسب فيها تنظيمات مجهولة.