السلوك المنضبط

يشيد الناس في بلادنا وفي كل بلاد العالم الثالث وبالأخص العالم الإسلامي بسلوك الأمم الأخرى، ويكثرون الثناء على أصدقائهم الغربيين ويتحدثون كلما سافروا إليهم وعادوا منهم، عما رأوه في بلاد العجائب من انضباط واحترام لقوانين المجتمع،

يشيد الناس في بلادنا وفي كل بلاد العالم الثالث وبالأخص العالم الإسلامي بسلوك الأمم الأخرى، ويكثرون الثناء على أصدقائهم الغربيين ويتحدثون كلما سافروا إليهم وعادوا منهم، عما رأوه في بلاد العجائب من انضباط واحترام لقوانين المجتمع،

الثلاثاء - 10 يونيو 2014

Tue - 10 Jun 2014



يشيد الناس في بلادنا وفي كل بلاد العالم الثالث وبالأخص العالم الإسلامي بسلوك الأمم الأخرى، ويكثرون الثناء على أصدقائهم الغربيين ويتحدثون كلما سافروا إليهم وعادوا منهم، عما رأوه في بلاد العجائب من انضباط واحترام لقوانين المجتمع، ولا يكفون عن ضرب الأمثلة عما رأوا وشاهدوا عند القوم من صور لا يرون مثلها في بلادهم، ويكيلون المدح لهم منذ كلمة الشيخ محمد عبده إن كان قالها - رأيت مسلمين بلا إسلام - إلى يومنا هذا، ولكن الشيء الذي لم يتحدثوا عنه؛ ما سبب هذا الانضباط، وما سبب هذه القيم السلوكية التي يرون المجتمعات الغربية والشرقية تمارسها وتحافظ عليها ولا تقبل بديلا عنها؟ هل خلقت القيم معهم ووهبت لهم دون غيرهم من أمم الأرض؟ سؤال ما أظنه خطر على بال هؤلاء المعجبين بسلوك الغربيين ولا فكروا فيه، والدليل أنهم - أي المعجبين- يلاحظون الظاهرة ولا يكلفون أنفسهم البحث عن سبب وجودها، وما وراءها، فظاهرة الانضباط في السلوك الاجتماعي والأمانة في أداء الحقوق التي يقومون بها، والواجب الذي يفعلونه طواعية، والإخلاص في العمل، واحترام الوقت وحقوق الآخرين، هي ما يعجب قومنا، ولم يسألوا عن كل ذلك، ولو سألوا لكانت الإجابة بمنتهى السهولة والوضوح، وهي أنه لا يوجد في العالم سلوك منضبط يولد مع هؤلاء ويوهب لهم ويخصهم الله به دون غيرهم من الأمم والأجناس، لأن الله أرحم بخلقه وألطف بعباده من أن يخص بعضا منهم بفضائل لا يستطيعها غيرهم، فذلك حيف لا يرضاه العدل الذي وصف الله به نفسه.

الجواب الذي يعرفه الناس أنه لا يوجد سلوك منضبط عند أحد من البشر، ولكن يوجد نظام يضبط السلوك، وتوجد تربية مستمرة ودائمة على احترام النظام والقانون، وتوجد آليات تنفيذية للقانون الذي يحتكم إليه الجميع ويطبق على كل الناس الذين شرعوا النظام واتفقوا عليه واحترموا قيمه الاجتماعية، واستوى أمام القانون الكبير والصغير والغني والفقير، هذا هو السبب الذي ترونه عندما تذهبون إلى هناك، الناس مثلكم، لهم نوازعهم ولهم رغباتهم، ولهم أطماعهم مثلكم تماما، الفارق بينكم وبينهم بسيط جدا، ويمكن تطبيقه بسهولة ويسر لتكونوا مثلهم، بل قد تكونون أفضل منهم، فقط تحتاجون قانونا أو نظاما كما نسميه، لا يعرف القائمون على تطبيقه الاستثناءات ولا الوساطات ولا الشفاعات ولا المحسوبيات، يؤمنون أن الجميع أمامه سواسية كأسنان المشط، الأثر الذي ترددونه في تراثكم وتعرفون نصه قبلهم بألف وأربعمئة عام، هم بحسهم الإنساني فهموا معنى هذا الأثر وتعاملوا بينهم عمليا بما تحفظون أنتم نظريا، وإن لم يسمعوا به منكم، ومن حسن حظهم أنهم لا يعرفون عللكم وتبريراتكم أمام القانون، ولم يسمعوا بقولكم (أقيلوا أهل الهيئات عثراتهم) لأنهم لو سمعوا ذلك أو فعلوه أو عملوا به لكانوا مثلكم. يحفظون أجمل الأمثال والنصوص و يمارسون غير ما يحفظون، ويقولون شيئا ويعملون غير ما يقولون.

واليوم والصيف على الأبواب وجحافل المغادرين تتهيأ للرحيل إلى الغرب والشرق في رحلة تدوم سحابة الصيف كله، يمكن أن نحافظ على ما نراه في هذه الرحلة القصيرة من حسن تعامل عندهم ومن احترام وتقدير للنظم والقوانين، ثم أرجو ألا ننسى فوائد التجربة التي جربناها والخبرة التي اكتسبناها عندما نعود إلى أرض الوطن سالمين، ونمارس ولو من باب التقليد بعض انضباطنا عندما كنا معهم في بلادهم، فبلادنا أولى بالاحترام ونظامنا أولى بالتطبيق.

لا يوجد سلوك منضبط عند أحد من البشر، ولكن يوجد نظام يضبط السلوك، وتوجد تربية مستمرة ودائمة على احترام النظام والقانون!



[email protected]