جبل الشعانبي.. ساحة للكر والفربين الجيش التونسي والإرهابيين

في حين يؤكد عاطف بوغطاس محافظ القصرين (غرب تونس)، الذي يتبع جبل الشعانبي محافظته إداريا، أن الجبل سيفتح أمام العموم خلال الأيام القليلة المقبلة، قال الناطق باسم وزارة الدفاع العميد توفيق الرحموني إن توقيت فتح الجبل ما يزال غير محدد

في حين يؤكد عاطف بوغطاس محافظ القصرين (غرب تونس)، الذي يتبع جبل الشعانبي محافظته إداريا، أن الجبل سيفتح أمام العموم خلال الأيام القليلة المقبلة، قال الناطق باسم وزارة الدفاع العميد توفيق الرحموني إن توقيت فتح الجبل ما يزال غير محدد

الاثنين - 26 مايو 2014

Mon - 26 May 2014



في حين يؤكد عاطف بوغطاس محافظ القصرين (غرب تونس)، الذي يتبع جبل الشعانبي محافظته إداريا، أن الجبل سيفتح أمام العموم خلال الأيام القليلة المقبلة، قال الناطق باسم وزارة الدفاع العميد توفيق الرحموني إن توقيت فتح الجبل ما يزال غير محدد.

وأضاف أنّه “رغم الهدوء المسجّل في الجبل فإن الجبل ما يزال منطقة عسكرية مغلقة”.

هدوء حذرعاد الهدوء لجبل الشعانبي في الأيام الأخيرة بعد عام من انفجار الألغام وأكثر من عام ونصف العام على انطلاق عمليات تتبع الإرهابيين في الجبل والجبال المجاورة له.

وهي فترة شهدت سقوط ضحايا من المؤسسة الأمنية والعسكرية.

عودة الهدوء جسدها نشاط نظّمته محافظة القصرين، بزيارة فعاليات المجتمع المدني للبوابة الرئيسة للحديقة الوطنية للشعانبي، بعد أن أعادت السلطات التونسية فتح منطقة محمية جبل الشعانبي في 16 مايو الحالي أمام الجمهور، وهي المنطقة المدرجة لدى منظمة اليونسكو كمحمية للحيوانات البرية والغطاء النباتي.

الهدوء الذي عرفته منطقة العمليات العسكريّة بالشعانبي جاء بعد زيارة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي لمنطقة العمليات العسكرية بجبل الشعانبي في 6 مايو الحالي، ليطلع على ما أسماه الجيش “عملية استعادة جبل الشعانبي”.

خلال الزيارة دعا المرزوقي من أسماهم “المغرّر بهم من الإرهابيين” إلى “الكف عن حربهم العبثيّة ضد بلادهم”.

خلال كلمته لم يعلن المرزوقي انتهاء العمليات العسكريّة ولا موعدا محدّدا لانتهائها، فيما قال الناطق باسم وزارة الدفاع، إن “العمليات العسكرية بجبل الشعانبي تتواصل طبقا للخطة المقرّرة، وتهدف للتصدي لكل محاولات الخروج أو الدخول للعناصر الإرهابية داخل المنطقة العسكرية المغلقة”.



استعادة الجبل



استعادة الجبل جاءت بعد عملية عسكرية واسعة لملاحقة الإرهابيين المتحصنين بالجبل شاركت فيها الوحدات العسكرية للجيش التونسي بجميع أصنافها (سلاح المدفعيّة، وسلاح الجو، وحدات الهندسة، وحدات القوات الخاصة)، حيث توغل الجيش على محاور عديدة داخل الجبل وتم تدمير عدّة ألغام أو تفكيكها، إضافة إلى اكتشاف مخابئ لإرهابيين.

هذه العمليات مثلت تغييرا في استراتيجية الجيش التونسي في مواجهة الإرهاب خلال أبريل الماضي، بعد أن أصدر الرئيس التونسي قرارا في 11 أبريل 2014 يقضي باعتبار جبل الشعانبي وجبالا أخرى قريبة مناطق عسكرية مغلقة.

قرار المرزوقي وصفه مراقبون بالمهم، وإن جاء متأخرا، فيما قالت مصادر عسكرية إن دواعي القرار تعود لتنامي نشاط الشبكات الإجرامية في تجارة الأسلحة والذخيرة والمخدرات وتهريب المواد الخطيرة، وهو قرار، بحسب المصادر، يدخل في إطار محاربة الإرهاب بعد استئناف التفجيرات في الفترة الأخيرة.

انفجار الألغام المزروعة في مناطق واسعة من الجبل تزامن مع صدور القرار، إذ انفجر لغمان في نفس اليوم (11 أبريل) وفي مناطق مختلفة، ما أدى لإعطاب سيارة عسكرية وجرح سائق مدني، وذلك بعد يومين من انفجار لغم آخر بالجهة الشمالية للجبل أسفر عن تدمير ناقلة جند.



انعدام الخسائر



ورغم غياب الخسائر البشرية فإن عودة التفجيرات بهذا الشكل طرحت أكثر من سؤال وقتها عن مدى نجاعة الخطة العسكرية في الحرب على المجموعات المسلحة داخل جبل الشعانبي، خاصة أن عودة الانفجارات جاءت بعد فترة من الهدوء الطويلة نسبيا ميّزت شهر مارس 2014.

وسبق ذلك انفجار لغم في 19 فبراير الماضي إثر مرور مجنزرة عسكرية، دون أن يخلف خسائر بشرية.

وطوال الأشهر السابقة لفبراير واصلت وحدات الجيش قصفها لمواقع مفترضة لإرهابيين حتى تحول دوي القصف لخبز يومي للمناطق القريبة، بينما تكفلت الوحدات الأمنية في رواد (ضواحي العاصمة) بالقضاء على مجموعة متحصنة بمنزل في 4 فبراير 2014، تبيّن فيما بعد أن من بينهم متورطين في الأحداث الإرهابية بجبل الشعانبي.

من جبل الشعانبي مسرح العمليات إلى ضواحي العاصمة، ولمدة أكثر من شهر، قالت مصادر أمنية وعسكرية إن الإرهابيين استفادوا من اضطرابات أمنية عرفتها محافظة القصرين وبعض المناطق التابعة في بداية يناير من السنة الحالية.

وأصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه إن جزائريا معروفا باسم “لقمان أبو صخر” متورطا في الأحداث الإرهابية، قد تمكن من التسلل إلى القصرين، ولم تمر سوى أيام حتى أعلنت مصادر إعلامية عن تعيين أبو صخر واسمه “خالد الشايب”، أميرا “لأنصار الشريعة” ومجموعة الشعانبي، بديلا للتونسي أبو عياض واسمه “سيف الله بن حسين”.



نشاط المسلحين



تسلل الإرهابيون خارج جبل الشعانبي أو إليه هو الذي يفسر انفجار الألغام من حين لآخر في مناطق تمّ تمشيطها سابقا، ففي 2 ديسمبر 2013 قتل ضابط بالجيش بانفجار لغم بمنطقة العمليات بالشعانبي، فيما انفجر أكثر من لغم بسفوح جبل الشعانبي (أيام 18/19/20 نوفمبر 2013)، ولكن هذه المرة في قطيع أغنام وإحدى السيدات التي دخلت الجبل بحثا عن الحطب.

الجيش الذي يرابط منذ أشهر على سفوح جبل الشعانبي والجبال المحاذية له يقوم بعمليات قصف متواصلة في محاولة لتضييق الخناق على المجموعات المتحصنة بالجبل، بينما شهدت البلاد عمليات إرهابية بعيدا عن الجبل.

ففي أكتوبر 2013 وقعت عملية قبلاط، شمالي البلاد، قتل فيها رجل من الحرس الوطني، وعملية سيدي علي بن عون بسيدي بوزيد، قتل فيها 6 من الحرس الوطني.

العملية العسكرية التي بدأها الجيش في يوليو 2013 جاءت ردا على ما وصف وقتها بالعملية الإرهابية الأكثر دموية التي استهدفت الجيش في 29 من نفس الشهر، بعد تعرض دورية لكمين نصبه إرهابيون انتهى بمقتل 8 جنود والتنكيل بجثثهم، والاستحواذ على لباسهم ومؤونتهم، وتجهيزات عسكرية وأسلحة.

رد الجيش بعملية عسكرية واسعة وبقصف جوي ومدفعي حول الجبل إلى كتلة من نار، ولم يستثن الجيش الجبال المجاورة، فيما قال الجيش إن ألغاما انفجرت بسبب القصف، وتحدثت وسائل إعلام محلية عن أن القضاء على المجموعات الإرهابية مسألة أيام، وهو أمر بدا اليوم أنه كان تفاؤلا كبيرا جدا.

وفي حين قالت وزارة الداخلية حينها إنها ألقت القبض على أكثر من 40 شخصا متورّطا في أحداث الشعانبي، استمرت العملية أشهرا دون أن يتمكن الجيش من السيطرة البرية على جبل الشعانبي.

عملية قتل الجنود في جبل الشعانبي، جاءت بعد فترة من الهدوء، حيث قال الجيش إنه تمكن من تطهير جبل الشعانبي من الألغام، ففي يونيو 2013 تواصل انفجار الألغام بجبل الشعانبي مخلفا خسائر في صفوف الجيش وإصابات في صفوف المدنيين، حيث انفجر لغم في 12 من نفس الشهر حوّل قطيعا من الأغنام إلى أشلاء، وانفجر لغم في سيارة عسكرية 6 يونيو خلف قتيلين وجرح آخرين، وقبل أيام قتل ضابط برصاص زملائه على وجه الخطأ.

الألغام المزروعة -التي بدأت بالانفجار- خلفت أكثر من 18 جريحا ومصابا من أفراد الجيش والحرس، سيقان مبتورة وأعين طمست، فيما قالت النقابات الأمنية إن عمليات التمشيط داخل جبل الشعانبي هي عملية مطاردة للأشباح، إذ تنفجر الألغام في مناطق تم تمشيطها سابقا.

الألغام التي مثلت مفاجأة نهاية أبريل 2012، حيث انفجر لغم في 29 من ذات الشهر وتسبب في بتر ساق عون حرس، وإصابة آخر ما أفقده عينه، جاءت بعد فترة طويلة من عمليات التمشيط التي بدأتها قوات الحرس الوطني منذ أشهر.



متى تنتهي المعركة؟



وكانت عمليات تمشيط الشعانبي بدأت عندما قُتِل ضابط في الحرس الوطني 10 ديسمبر 2012 في مواجهة مع مجموعة بجبل درناية القريب من قرية بوشبكة الواقعة على الحدود الجزائرية، غربي البلاد، بعد اكتشاف وحدات الحرس معسكرا للتدريب، فيما قالت وزارة الداخلية إن المجموعة تنتمي لكتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الكتيبة التي ستكون المسؤولة لاحقا عن كل العمليات الإرهابية في الشعانبي.

عام ونصف العام على بدء أحداث الشعانبي اهتز فيها الجبل بألغامه التي أصبح عدّها أمرا صعبا، ألغام زرعتها مجموعات لم تعلن أبدا عن نفسها، وتبرّأ من زرعها كل المتهمين من أنصار الشريعة بتونس، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فيما خلفت عشرات الضحايا من الجيش والأمن.

وإن عاد الهدوء إلى الجبل فهو الهدوء - ربما- الذي يسبق العاصفة، ما لم تعلن المؤسسة العسكرية عن انتهاء العمليات، أم أن الستار سيسدل على زمن تحول فيه الجبل إلى وكر “للإرهابيين”، ويعود إليه الرعاة والحطابون والمتنزهون لا يخشون اهتزاز الأرض تحت أقدامهم ولا يسمعون صوت الألغام ودوي المدافع الثقيلة.