لمى والسقوط الكبير
لم يسدل الستار بشكل كامل على المسرحية الحزينة التي بدأت فصولها قبل شهر، حينما سقطت الصغيرة لمى الروقي (6 سنوات) في بئر ارتوازية مهجورة بالقرب من محافظة حقل (شمال المملكة)، أمام شاهد العيان الوحيد في القصة أختها شوق (7 سنوات). فحتى الآن لم يتم استخراج جثة لمى بالكامل، وأعمال الحفر لاتزال مستمرة، فيما أعلن المركز الإعلامي لمديرية الدفاع المدني مؤخراً أن عينات الـ DNA التي أخذت من البئر ثبت أنها تعود للطفلة لمى بعد مطابقتها مع والدها.
لم يسدل الستار بشكل كامل على المسرحية الحزينة التي بدأت فصولها قبل شهر، حينما سقطت الصغيرة لمى الروقي (6 سنوات) في بئر ارتوازية مهجورة بالقرب من محافظة حقل (شمال المملكة)، أمام شاهد العيان الوحيد في القصة أختها شوق (7 سنوات). فحتى الآن لم يتم استخراج جثة لمى بالكامل، وأعمال الحفر لاتزال مستمرة، فيما أعلن المركز الإعلامي لمديرية الدفاع المدني مؤخراً أن عينات الـ DNA التي أخذت من البئر ثبت أنها تعود للطفلة لمى بعد مطابقتها مع والدها.
الثلاثاء - 21 يناير 2014
Tue - 21 Jan 2014
لم يسدل الستار بشكل كامل على المسرحية الحزينة التي بدأت فصولها قبل شهر، حينما سقطت الصغيرة لمى الروقي (6 سنوات) في بئر ارتوازية مهجورة بالقرب من محافظة حقل (شمال المملكة)، أمام شاهد العيان الوحيد في القصة أختها شوق (7 سنوات). فحتى الآن لم يتم استخراج جثة لمى بالكامل، وأعمال الحفر لاتزال مستمرة، فيما أعلن المركز الإعلامي لمديرية الدفاع المدني مؤخراً أن عينات الـ DNA التي أخذت من البئر ثبت أنها تعود للطفلة لمى بعد مطابقتها مع والدها. وقبل هذا الإعلان الأخير تعددت الروايات وتضاربت ووصلت إلى ما يشبه قصص الخيال العلمي، أو إبداعات الكاتبة الشهيرة أجاثا كريستي، مع الفارق أن لمى كائن حي من لحم ودم، وليست اسما في رواية مسلية.
حظيت قصة الطفلة التي هوت في البئر باهتمام شعبي كبير، وكان للصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي دور فعال في تغطية القضية. والاهتمام الشعبي ليس مستغرباً.. فكلنا لمى، فأي واحد منا معرض للسقوط في بئر أو حفرة نتيجة الإهمال، أما الآباء والأمهات فكان خوفهم شديداً وحزنهم مضاعفاً، فوحدهم يدركون أن من أعظم الابتلاءات التي يمكن أن يصاب بها المرء هي أن يدفن في حياته طفلاً من أطفاله، لكن كل هذا التعاطف والاهتمام لم يخدم القضية، سواء لجهة إنقاذ لمى أو انتشال جثتها بشكل كامل، أو حتى الوصول إلى الحقيقة في وقت أبكر، في وقت طارت فيه الشائعات بأخبار سيئة عن شبه جنائية بلا أدلة، فكان السقوط الكبير للجميع.
السقطة الأولى كانت في جهود الإنقاذ.. لا ينكر أحد دور رجال الدفاع المدني المخلصين والمتفانين، ومحاولتهم القيام بواجبهم بأقصى ما يستطيعون، فاللوم لا يوجه للأفراد، وإنما للجهاز نفسه، الذي كشفت الحادثة المؤلمة عن وجود خلل في التجهيز والتدريب وتوفير المعدات لمنسوبيه، بحيث يتمكنون من التعامل مع مختلف أنواع الكوارث المستجدة. أيضاً مركزيته التي قد تكون تسببت في بطء التحرك وعرقلت جهود الإنقاذ في الأيام الأولى، ناهيك عن غياب التنسيق الأولي مع قطاعات الدولة الأخرى الخاصة والعامة، ممن لديهم المعدات أو الخبرات التي كان يمكن أن تساهم في توحيد الجهود للوصول إلى الهدف، وهو ما تم لاحقاً.
ولأن الوقاية خير من العلاج، فأول مسؤول عن الحادثة هو الجهة المعنية بمتابعة الآبار المهجورة والحرص على تغطيتها ووضع اللوحات التي تنبئ الناس عن أخطارها، وهي جهة حكومية أخرى، وزارتا الزراعة والمياه، اللتان حاولتا النأي بنفسيهما عن تحمل المسؤولية، وتحميلها لمالك البئر، وكان أسلوبهما دفاعياً أكثر منه عملياً.
وزارة الإعلام أيضاً لم تكن على مستوى الحدث، ولم تبق الناس على اطلاع بما يجري، فلم توجه القنوات التلفزيونية الحكومية بأن تتواجد في موقع الحدث لتغطي الواقعة التي يرقبها وطن بأكمله، بصورة حيَّة على الهواء، كما نشاهد في كوارث مماثلة حول العالم، وبالتالي كانت مسؤولة جزئياً عن تصاعد الشائعات إلى وصلت إلى حد التشكيك بقصة سقوط لمى من الأساس، واتهام أقرب الناس بقتلها أو إخفائها لأجل الحصول على المال.
ولأنها قضية إنسانية كبيرة جداً وصارت حديثاً في كل بيت، فالأمر لم يسلم من دخول بعض أصحاب الأجندات الخاصة ليدلوا بدلوهم. فهناك من اتخذها فرصة للهجوم على الدولة، وخرجوا بالنقاش من القضية محل الاهتمام إلى فضاءات أخرى تخدم مصالحهم، لكن الأغلبية الساحقة من المواطنين والمواطنات، بحسب ما عبروا عنه في وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن يشغل بالهم إلا الصغيرة لمى، والتفكير في حالها وحال أهلها: هل سيتم إنقاذها فعلا؟ ترى هل ماتت على الفور أم إنها بقيت على قيد الحياة لبعض الوقت؟ هل كانت مدركة وواعية؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فأي رعب عاشته تلك الصغيرة في غياهب الجب وهي تصارع وحدها الظلمة والخوف والبرد والجوع؟
وبالمقابل انشغل بعض الوصوليين والمتزلفين بالرد على هذه المجموعة، معتبرين أن جوهر القضية: الإساءة للوطن، وبالتالي لا بد من التخندق ضدهم، بل وضد القضية الأصلية نفسها، فروجوا للشائعات، وبأسمائهم الصريحة ضد أسرة الطفلة، مما يستوجب مقاضاتهم، وقد تساءل أحدهم ـ وهو يقدم نفسه كمستشار في وزارة سياديةـ بكل بجاحة: ولم كل هذه الضجة على قضية لمى؟
فبالنسبة له، سمعة الوطن التي اعتبر أنها نيل منها في هذه القضية، مع أنه لو تكررت الحادثة في أي بلد آخر لتعرضت الأجهزة ذات العلاقة للهجوم نفسه أو أكثر، أهم من حياة طفلة بريئة، كل ذنبها أنها خرجت لتعلب في الهواء الطلق على أرض وطنها.. هذا ونحن في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية التي تغلي من روح الإنسان أياً كان، وتجعل دم المؤمن أغلى من أهم مقدساتها وهي الكعبة!
هذا النوع من البشر يقدم أبرز دليل على الوطنية الخاطئة، عندما يتم اعتبار أن نقد أخطاء أجهزة الوطن، أو طرح الأسئلة عن أسباب المشكلات، هو إساءة للوطن قد ترتقي إلى الخيانة العظمى! فيما الخيانة الحقيقية تكمن في الرضا عن الخطأ والسكوت عن قول الحقيقة.
فسمعة الوطن التي قد تكون تضررت من جراء الحادثة يمكن استعادتها في موقف آخر تبلي فيه الأجهزة بلاء حسناً، لكن من يعيد لمى إلى حضن أمها وحجر أبيها؟
لمى سقطت في بئر عميقة تحوي الآن ما بقي من جسدها، فيما روحها عادت لخالقها، لكن غيرها سقطوا بأرواحهم قبل أجسادهم، فقد ماتت الضمائر، أو في أحسن الأحوال دخلت في غيبوبة، حين قصروا في مسؤولياتهم، أو حين حاولوا أن يحجبوا الحقيقة ويحملوا الضحية المسؤولية.