عبث النقاد وضعفهم

درج المبدعون أن يضعوا النوع الأدبي في وجه الغلاف الأول للمطبوع مثل «شعر، مجموعة قصصية، رواية...»، لكن بات مألوفا أن تجد «نصوصا»، نوعا أدبيا لكتاب حديث، وقد حصر الكاتب أو لنقل «الناص» النص على سعته على مؤلفه، ولعل هذا يقودنا إلى التيه الذي خلقه عبث النقاد، خصوصا العرب، في الأجناس الأدبية حتى بدأت تتداخل بشكل يدعو إلى سؤال النقاد العرب: ما الهدف من تداخل الأنواع الأدبية؟ وما الثمرة المرجوة إذا أصبحت كافة الأنواع نوعا واحدا؟

درج المبدعون أن يضعوا النوع الأدبي في وجه الغلاف الأول للمطبوع مثل «شعر، مجموعة قصصية، رواية...»، لكن بات مألوفا أن تجد «نصوصا»، نوعا أدبيا لكتاب حديث، وقد حصر الكاتب أو لنقل «الناص» النص على سعته على مؤلفه، ولعل هذا يقودنا إلى التيه الذي خلقه عبث النقاد، خصوصا العرب، في الأجناس الأدبية حتى بدأت تتداخل بشكل يدعو إلى سؤال النقاد العرب: ما الهدف من تداخل الأنواع الأدبية؟ وما الثمرة المرجوة إذا أصبحت كافة الأنواع نوعا واحدا؟

الجمعة - 16 مايو 2014

Fri - 16 May 2014



درج المبدعون أن يضعوا النوع الأدبي في وجه الغلاف الأول للمطبوع مثل «شعر، مجموعة قصصية، رواية...»، لكن بات مألوفا أن تجد «نصوصا»، نوعا أدبيا لكتاب حديث، وقد حصر الكاتب أو لنقل «الناص» النص على سعته على مؤلفه، ولعل هذا يقودنا إلى التيه الذي خلقه عبث النقاد، خصوصا العرب، في الأجناس الأدبية حتى بدأت تتداخل بشكل يدعو إلى سؤال النقاد العرب: ما الهدف من تداخل الأنواع الأدبية؟ وما الثمرة المرجوة إذا أصبحت كافة الأنواع نوعا واحدا؟

عندما كانت الحاجة ملحة للتجديد تقبلته الذائقة العربية، على الغالب، وكانت الحركة النقدية متفاعلة وقديرة في تذوق قصيدة «التفعيلة» ومنحتها مصطلحا مميزا، لكن التردي النقدي بدأ من تسويق قصيدة النثر إلى الذائقة العربية المجبولة على الموسيقا العروضية، فاتخذ المؤيدون الصدامية واتهام التراث، واعتبارها امتدادا تجديدا يلغي الشعر العربي كله، واتهام الذائقة بالرجعية، ولم يعرّفوا المنتج الأدبي الجديد بحدود واضحة وأخفقوا في تسميته. واستمرت نكسة النقاد العرب في تنازليتها، تحت حجة تداخل الأجناس الأدبية التي أراها شماعة فقط يعلّقون عليها عجزهم في صياغة المصطلحات المميزة لكل جنس أدبي، دون تذويبها في جنس أدبي، أو الاعتداء على جنس قديم.

ولنتأمل المصطلحات التي يندى لها جبين النقد في لجوئه إلى التركيب الإضافي، والاعتماد على أجناس أخرى للتعريف في «قصيدة النثر» والتسلق البيّن في المسمّى، ثم طول (القصة القصيرة جدا)، واللبس الناشئ بين (القصة) و(الرواية). والآن زاد الغموض أكثر عندما ظهر «النص الجديد». ولا أدري إلى متى ستكون جِدته! و»النص الالكتروني أو الرقمي»، وماذا بقي في حياتنا لم يدخل الرقميةّ؟! والمصيبة العظمى ما حرك أناملي لكتابة هذا «المقال الالكتروني» ما قرأته اليوم عن مؤتمر عقد للتعريف بـ»القصة الشاعرة»، وربما ستلحقها قريبا «القصة الناثرة»، والخطبة الشاعرة، والمقالة القاصة.

أي عبثٍ هذا؟ وأي عجزٍ سيعلنه النقاد العرب؟ فالأدب بات أسير تصوراتهم، وتجاهلهم للمشهد العام والقارئ العادي، وتجاوزهم دور الوسيط بين المبدع والمتلقي إلى قائد الإبداع، حتى صار المبدع رهين تصوّراتهم ورؤاهم، وصار التيه والعمه وجهة الإبداع، حتى انفصم المبدع عن كثير من قضايا مجتمعه، فتوطن الغموض، وانزوى خلف الضبابية الكثيفة.

سيقول قائل، ومن أنت لتحجر واسعا، وتدعو إلى القولبة، ووضع أطر صارمة؟ لكن السؤال الجواب: ما ذنب أبنائنا أن يعيشوا التيه مستقبلا، لا يعرفون إلا «النص» مصطلحا واحدا لكل الأجناس الأدبية؟ أيرضى المنصفون بهذا المآل، من أجل عجز ناقد طموحه ملء شاغر والبقاء في المشهد الثقافي على حساب الإبداع! أو انهزامية مثقف لا يقوى على معارضة العبث حتى لا يتهم «بالتخلف والرجعية»، أو لا تتبدد مصالحه الشخصية المرتبطة بتيار أو شخصية؟

حقيقة أرى أننا تجاوزنا مرحلة التجريب، ويجب أن تكون لنا هويتنا الثقافية، فقد أثخنت التبعية وعمّقت الهوة، وعقم المشهد عن إنتاج القامات العملاقة، وقد أصبح الأغلبية ناقلي ثقافة ورؤى، واغتال العجز والتقاعس حلم النظرية، ومن أين تأتي والهمم تدنّت؟ وسيصل بها الإسفاف إلى «القصيدة بعلامات ترقيم» والقصة من غير نقط.

أدعو وزارة الثقافة والإعلام، وكل الجهات المسؤولة والمهتمة إلى التحرك لإنشاء رابطة للنقاد أولا، ثم إقامة ملتقيات نقدية عربية حقيقية تناقش هذه القضية بعمق وتجرد، حتى تصل إلى حلول مقنعة، تعيد للأدب العربي مكانته المرموقة، وتخرج النقد الأدبي من التيه والشتات والمقاربات والرؤى إلى ضياء التنظير الفاعل المتكئ على الإبداع الحقيقي، لا إبداعات وهمية، ولا رؤى مستوردة ربما لا تناسب اللغة، أو الثقافة العربية، وتنير الطريق للأجيال القادمة، والأهم أن تعيد الناقد إلى مكانه الوسيط بين المبدع والمتلقي، حتى تردم هوة الانفصام بين المبدعين ومجتماعاتهم التي غُيبوا عنها، وحلّ محلهم مبدعون آخرون، كما حل ممثلون وأندية وفنانون ومفكرون.



[email protected]