أخطأ فلان بشحمه ولحمه

 

 

الثلاثاء - 16 ديسمبر 2014

Tue - 16 Dec 2014



نعمم كثيرا عندما نتحدث عن بعض أمورنا الحياتية ونتسع بدائرة التعميم ونبالغ في ضرب الأمثلة وندور حول ما نريد قوله قبل أن نقول شيئا مفيدا وذلك خوفا من عواقب ما نقول أو مجاملة لمن قصر فيما يناط إليه أو شيء من هذا وذاك، ولا سيما عندما يكون النقد موجها إلى أهل الشأن فيما نتحدث عنه أو ما نريد مناقشته، والمدارة أسلوب جميل ولا ضرر منه ولا بأس فيه ولكن نفعه قليل وصدقه أقل منه وتعميمه توسيع لدائرة التقصير وتمييع لإصلاح ما يراد إصلاحه من الأمور التي يتصدى لها النقد والتوجيه.

والأولى بأهل الرأي ومن يندبون أنفسهم تطوعا لبيان الخطأ حيث كان ألا يدوروا حول القضية التي يريدون الحديث عنها بل الواجب عليهم أن يعمدوا إلى وصف ما يرونه يحتاج إلى معالجة ومناقشة ولهم فيه رأي ونظر ويسمون الأمور بأسمائها فيقال لمن أحسن أحسنت زادك الله إحسانا ولمن قصر قصرت ويوضح مكان التقصير وتبين أسبابه وينبه المقصر إلى مواضع تقصيره.

تعالج أقلام كتابنا قضايانا الاجتماعية وقضايانا الاقتصادية والفكرية والدينية وما أكثر ما نعيش من القضايا التي تحتاج الكشف والوضوح وبيان الحقيقة فيها وعنها ولكن جدوى ما يقال وينشر قليلة بل لعله أصبح مملا حيث لا يجد الناس أن الحال يتغير إلى الأفضل وأن الأقلام التي تكتب وتنتقد والحبر الذي يسال في أعمدة الصحافة لا يؤتي ثماره في أكثر الحالات ولا يسمع منه ولا يستجاب لمطالب المطالبين والناقدين حيث يزيد الترهل ويقل الإنجاز في العمل العام الذي تتوقف عليه مصالح الناس.

والسبب في ظني أن اللغة المواربة التي تستعمل في بيان تقصير المسؤولين في القطاع العام شجعت على عدم الاهتمام بما يطرح في الصحافة وفي وسائل الاتصال، وأن عدم تحديد التقصير إذا وجد وتوجيه اللوم مباشرة لمن قام به أو من قصر في عمله مهما كان موقعه في سلم المسؤولية هو أساس التقصير الذي نلمسه في كثير من الإدارات والمؤسسات الخدمية.

المقصرون في أعمالهم يفرحون بمثل هذا التعميم الذي لا يحدد المقصر والعاجز ومن لا يستطيع أن يعمل شيئا حسنا لأن ذلك التعميم في النقد يخفف عنه ثقل المسؤولية ويشجعه على الاندساس في مجمل المنتقدين ويخلصه من التعيين الذي يخشاه. ليس هناك أكثر ضياعا لرأي صاحب الرأي من أن يعمم ما يريد بيان خطئه من الأمور التي تتعلق بقضايا المجتمع وما يهم الناس ويودون أن يروا فيها القول الفصل، ولكي تتضح المسؤولية ويتحدد المسؤول عن التقصير أيا كان هذا المقصر حين يتولى أمرا عاما للناس يجب تعيين المقصر وبيان تقصيره.

هموم الناس كثيرة وحاجاتهم أكثر وقد لا يستطيع المكلف بخدمتهم أداء كل ما يجب عليه لأسباب بعضها يتجاوز ما يمنح له من الصلاحيات وما يتلقى من الأوامر ولكنه يستطيع أن يصارح الرأي العام ويوضح أسباب العجز عن أداء الواجب أو بعضه، والناس سيقدرون له هذا الإيضاح والصراحة وقد يتعاونون معه فيما يستطيع عمله ويعذرونه فيما لا يستطيع.

لا تعمموا فيما تعالجون من قضايا المجتمع فتقولون يحدث من بعض الناس ومن بعض المسؤولين ومن بعض التجار ومن بعض وبعض، ارفقوا بـ(بعض) هذه المسكينة التي تحملت كثيرا من المآثم واتخذت ذريعة للتخفي والمجاملات حتى أصبحت لا تعني شيئا مفيدا، ضعوا النقاط على الحروف وتحتها خطوطا كثيرة. وقولوا أحسن فلان باسمه وحسبه ونسبه، وأخطأ فلان بلحمه وشحمه تكونوا قد قمتم بالواجب وأديتم الأمانة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.