ورحل ملك الإصلاح السياسي
لم يرد السعوديون الاستيقاظ على نعي قامة فذة رسمت صورتها التاريخية في الوجدان السعودي بثقل فخم فاره، قامة ضخمة كانت في السجل السعودي وسيبقى أثرها على امتداد الزمان هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، ولكن الإيمان بقضاء الله وقدره فوق كل اعتبار، ولو أن استقطاع الأعمار بأيدي الشعب لما تردد لحظة في وهبها لأبي متعب، يرحمه الله.
لم يرد السعوديون الاستيقاظ على نعي قامة فذة رسمت صورتها التاريخية في الوجدان السعودي بثقل فخم فاره، قامة ضخمة كانت في السجل السعودي وسيبقى أثرها على امتداد الزمان هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، ولكن الإيمان بقضاء الله وقدره فوق كل اعتبار، ولو أن استقطاع الأعمار بأيدي الشعب لما تردد لحظة في وهبها لأبي متعب، يرحمه الله.
الأحد - 25 يناير 2015
Sun - 25 Jan 2015
لم يرد السعوديون الاستيقاظ على نعي قامة فذة رسمت صورتها التاريخية في الوجدان السعودي بثقل فخم فاره، قامة ضخمة كانت في السجل السعودي وسيبقى أثرها على امتداد الزمان هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، ولكن الإيمان بقضاء الله وقدره فوق كل اعتبار، ولو أن استقطاع الأعمار بأيدي الشعب لما تردد لحظة في وهبها لأبي متعب، يرحمه الله.
في رحلة حكم ملكي قصيرة لم تمتد أكثر من عقد من الزمان كانت أشبه بالحلم الجميل الذي عاشه السعوديون، شهدت الدولة السعودية ثورة حيوية قضت على مخاوف السعوديين من الركود والتهميش الغربي للسعودية في نهايات حكم الملك الراحل فهد بعد تداعي الأحداث السياسية وتكالب الأعداء الذي استقوى ضد المملكة في ذلك الوقت، ولكن وجود الملك عبدالله وفطنته في ذلك الوقت كولي للعهد وسعيه بكل جهود الفارس الشجاع للحفاظ على الوطن بكل ما يملك ولإبعاده عن مستنقع الحروب الذي تتسربل به المنطقة العربية. وانشتل صورة المملكة من الركود الذي لازمها بعد انتهاء أزمة حرب الخليج التي كبدت المملكة ديونا مرهقة أخذت من فترة حكم الراحل الملك فهد ما لا يحصى من الجهود الحكيمة والأرق السياسي حتى تبقى الأوضاع مستقرة في منطقة الخليج العربي، غير أنها لم تقف تلك العواصف حتى جاءت أزمة وطوفان الإرهاب العالمي الذي استهدف المملكة في داخلها، وانتقل بعدها ليصدر أزمة دولية ضد المملكة بعد أحداث 11 سبتمبر، نمت بعدها بذرة الإرهاب الخفي داخل الوطن لطموح يسعى لقلب موازين الحكم ولكنها لم تكد تينع حتى اجتثها الوطن بملكه وشعبه ووأدها في مولدها.
ومع كل الأزمات السياسية التي شهدها الملك عبدالله تحلق حول أجزاء الوطن، كان فارسا بما يكفي وملكا بما يكفي لأن يقف بالمملكة أمام العالم بصورة الدولة الحكيمة القوية المنتهجة لشريعة الإسلام والقائدة للعالم الإسلامي وزعيمة القوى الاقتصادية الدولية، باذلا مبادرات وجهودا دولية مضنية للشراكة العالمية نحو التقدم والازدهار، فكانت المملكة حاملة لواء مكافحة الإرهاب ومبادرات السلام من أجل تحقيق الأمن والعدالة ونشر الاستقرار في المنطقة وسعى لتسوية النزاعات من خلال الدعوة إلى التفاوض بين أطراف دول الصراع والساعية إلى خلو المنطقة من الأسلحة النووية.
كان الملك عبدالله مؤمنا بأن السلام وليس النزاع هو التقدم الذي يضمن للدول نموها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فبادر بجهوده في إحقاق السلام بتبني مبادرات للسلام في لبنان وفلسطين والصومال والسودان وتشاد، وتسوية النزاعات ودعم الشرعية في العراق واليمن ووقف جاهدا لدعم واستقرار مصر بعيدا عن التدخل في خيارات شعبها الذي أعاد خياره، فلم يتردد الملك عبدالله بإعادة تقديم الدعم والوقوف إلى جانبه في أقل من سنة، كما دعم القضية السورية منذ تفجر بواكر أزمتها الأولى. فضلا عن دعم الأشقاء والمسلمين بميزانيات مالية ومساعدات وإيداعات ضخمة تضمن استقرار تلك الدول المنكوبة وتساعد في نمو الإنسان وهو المهم عند الملك عبدالله.
وعلى الصعيد المحلي كان عبدالله ملك الإصلاح السياسي بلا منازع، وكانت قضايا المرأة السعودية هي أول الملفات التي توجه إلى إصلاحها، فكانت جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن هي الهدية الأبوية الأولى التي تسجل للمرأة السعودية تلتها مبادرات لتمكين المرأة السعودية والاعتراف بحقوقها المدنية في منحها بطاقة الأحوال المدنية وتطوير الأنظمة القضائية لصالحها، خصوصا في مسائل حضانة الأطفال والنفقة وفتح لها مجال المشاركة في الانتخابات البلدية وزاد من حصتها الاستحقاقية في التعليم العالي والابتعاث، كما سجل للمرأة استحقاقها السياسي لأول مرة في تاريخ المملكة حينما أدخلها الملك عبدالله كشريك فعلي في مجلس الشورى، ومن قبله رفع مجال استحقاقها في التمثيل الوزاري ليتم تعيين مديرة لجامعة الأميرة نورة بمرتبة وزير وتعيين نائبة وزير التعليم. وأظهر الملك عبدالله حقيقة تنوع الطيف المذهبي والفقهي في المجتمع من خلال مبادرات الحوار الوطني ودمج فئات الشعب المتنوعة ببعضها مما كان له الأثر في توسيع أفق رؤية المواطنين ببعضهم وأن لكل منهم حقا وعلى كل واحد منهم واجبا في وطن يكفل الحق للجميع دون أدنى تفرقة على أساس الهوية المذهبية أو الفقهية. واستثمر الملك عبدالله في الشباب من خلال برنامج الابتعاث الأضخم في تاريخ المملكة ورعى تنمية جوانبهم الرياضية والثقافية بإنشاء المدن الرياضية ودعم الأندية، ومما لا يحصى للملك عبدالله الكثير إلا أن الإصلاح السياسي والثورة الحضارية المدنية والترف الاجتماعي الذي أنعش السعوديين في حقبة الملك الراحل لا يمكن أن يترجمها مقال ولكنها بحاجة إلى أن يؤسس لها كرسي بحث في علم الاجتماع السياسي يبحث ويؤرخ للزمن ويحفظها للأجيال القادمة.
من الوفاء أن نكتب عن ملك الإصلاح السياسي الذي قاد المملكة بطول بال وبحزم وصبر في أقسى فترات الركود السياسي ضدها وتتالي حملات العداء الممنهج دوليا وإقليميا ضدها، حتى أعاد إليها هيبتها وأثبت للعالم أنها الزعيم البارز في العالم الإسلامي وخادمة الحرمين الشريفين وذات الحضور الاقتصادي الأضخم على مستوى الأسواق العالمية.
يا عبدالله بن عبدالعزيز لا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وتغمدك الله بواسع رحمته.