لا عذر في تقزيم كتابة اسم الجلالة



نشرت لي صحيفة مكة في عدديها بتاريخ 28 ربيع الآخر و2 جمادى الأولى 1435 مقالتين عالجت فيهما مسألة كتابة اسم الجلالة كما تقع بمعظم الخطوط العربية المتداولة في أنظمة المعلوماتية، فنبهت إلى ما اعتبرته اهتضاما لهذا الاسم الجليل، مستغربا «سذاجتنا» في قبول ذلك الأمر الواقع رغم سهولة تغييره.

وقد هيأ اللـه لي أخا عزيزا، زادته الهندسة – كما يقول ابن خلدون – مضاء في عقله واستقامة في فكره، فراجعني في بعض ما ورد في المقال، مثيرا تساؤلات تتعلق بكتابة اسم الجلالة في مخطوطات قديمة، ومسؤولية الخطاطين والمصممين، وما ألفه الناس من استخدام الرموز والمختصرات في الكتابة. وأردت تعميما للفائدة أن أورد أدناه بيانات إضافية أوحت إلي بها تساؤلات المهندس المستندة إلى قبس من نور الفكر ومنهجية البحث العلمي.

من الحق أن اسم الجلالة كتب في مخطوطات قديمة بأحجام مختلفة، ففي كتب الرسول (صلى الله عليه وسلم ) إلى الملوك تنوعت الأحجام، غير أن الاسم أخذ في الغالب الحجم الطبيعي البارز، وكذلك الشأن في المصاحف الأولى، على أن ذلك كان في فترة لم يتطور فيها الخط العربي. وبتطوره اتسقت أشكال الحروف وتناسقت في الكلمات، ولم يبق لنا عذر. والحق أن النساخ كانوا – فيما سلف – فئات: طائفة كتبت اسم الجلالة بخط صغير كالذي نعهده اليوم في جل الخطوط المحوسبة، وما نحن بملتمسين لهؤلاء عذرا؛ وطائفة كتبت اللامين والهاء بحجم صغير لكنها رسمت الألف بارزة باسقة، ولعل هؤلاء طلبوا في الألف الشامخة معنى الواحد (1) تنبيها إلى أنه الواحد الأحد، ولهم في ذلك بعض العذر عن غمط حق بقية الحروف؛ وطائفة حرصت على كتابة الاسم المفرد بلمسات أدب وإجلال ولم تبخسه حقه، فميزته بحجم أو بشكل خط أو بلون، ومن هؤلاء من ضبطوا فأضافوا شدة وفتحة عريضة وألفا عالية، دون مساس بحجم اللامين فجاءت الكلمة وكأنها منارة، يزدان بها ما حولها. وهؤلاء هم القدوة فيما نحن بصدده.

ولا مسوغ لنا البتة في الاستئسار لما تقدمه تكنولوجيا الطباعة والمعلومات، وقبوله على علاته، فمن حسنات هذه التقانات المعاصرة أنها جاءت لتخدم الإنسان، وتمكّن له وتقلص الفجوة بين أفكاره وأفعاله. والذي حدث إلى الآن، فيما نحن بصدده، هو عكس ما ينبغي أن يكون، فقد استخدمنا تكنولوجيا الطباعة لتنميط كتابة اسم الجلالة بشكل لا يليق بجلالته، وكان – وما يزال – بالإمكان أن نستخدمها لتنميط كتابته بشكل لائق، وهذا ما ندعو إليه.

ليس من همنا هنا أن نصدر حكما قضائيا باتهام طرف أو آخر، وإنما نرصد واقعا وننبه إليه. نعم، من الراجح أن تكون للخطاطين والمصممين مسؤولية في هذا الواقع، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية شركات البرمجة والصناعة المعلوماتية، إذ لا شيء يمنعها أن تحفظ لحروف اسم الجلالة أحجامها الأصلية في الخط المحوسب. والمهم أن تقزيم هذه الكلمة الجليلة خطأ أيا كان المسؤول عنه. ومن البلية أن يتواضع عليه الخطاطون والمصممون وتمضيه شركات الصناعة المعلوماتية، ثم نزكيه نحن بالاستعمال الساذج، دون أن ننتبه أو ننبه!!

يبقى سؤال السائل: ما الضير في أن يكتب اسم الجلالة بحروف دقيقة، وقد تواضعنا على رموز دقيقة نختزل بها جملا كاملة مثل جمل الصلاة والسلام ونحوها؟
الواقع أن اختزال جمل مثل الصلاة والسلام هو سنن حميد يتسق وبلاغة العربية وجمالية خطوطها، فقد شرع اللسان العربي اختزال جمل في كلمات منطوقة ومكتوبة مثل قولنا الحسبلة والهيللة والسبحزة (سبحان ربك رب العزة عما يصفون). وكان من إبداعات الخطوط العربية أن أمدتنا – وطاوعتها تقانة المعلومات - بمختصرات لجمل في قوالب وأشكال بهية تقتصد المساحة ولا تغمط الكلام حقه، كالمختصرات التالية (جل جلاله) ، (صلى الله عليه وسلم ) ونحوها. وقد نحا المحدّثون وغيرهم هذا النحو في اختصار بعض الأسماء والكلمات المتواترة مثل كتابتهم «ثنا» (حدثنا) و»ح» (حدثني) و»ص» (صحيح) و»ح» (حسن) و»ض» (ضعيف)، كما رمزوا إلى أسماء بعض العلماء الذين يكثر ذكرهم بحرف أو أكثر، ونبهوا إلى ذلك في اصطلاحاتهم في مقدمات كتبهم. ولم يقع شيء من هذا الاختصار ولا ينبغي أن يقع لا مع اسم اللـه (جل جلاله) ولا مع اسم رسوله (صلى الله عليه وسلم ) . ثم إن ثمة فرقا بين رمز تختصر به كلاما، وهذا أمر محمود، وبين تقزيم كلمة أو حرف وهو ما لا يتأتى إلا لغرض وجيه، مثل الواو الصغيرة في «عمْرو» تمييزا له عن «عمر» ورموز التجويد التي تغني عن إدراج كلام غريب في متن النص المحكم.

أما اتخاذ رمز مخصوص لكتابة اسم الجلالة فأمر سائغ ووجيه إذا احترم هذا الرمز مكونات الكلمة وأبرزها في حلة لائقة، وهذا ما ينبغي أن نسترعي إليه انتباه الخطاطين والمصممين والمبرمجين وسائر المتدخلين في الصناعة المعلوماتية.

وفي انتظار ذلك، لا مناص من استخدام المطة (التطويلة أو الكشيدة) بين اللام الثانية والهاء من اسم الجلالة لتجنب الوقوع في فخ اهتضام الاسم الجليل.



نشرت لي صحيفة مكة في عدديها بتاريخ 28 ربيع الآخر و2 جمادى الأولى 1435 مقالتين عالجت فيهما مسألة كتابة اسم الجلالة كما تقع بمعظم الخطوط العربية المتداولة في أنظمة المعلوماتية، فنبهت إلى ما اعتبرته اهتضاما لهذا الاسم الجليل، مستغربا «سذاجتنا» في قبول ذلك الأمر الواقع رغم سهولة تغييره.

وقد هيأ اللـه لي أخا عزيزا، زادته الهندسة – كما يقول ابن خلدون – مضاء في عقله واستقامة في فكره، فراجعني في بعض ما ورد في المقال، مثيرا تساؤلات تتعلق بكتابة اسم الجلالة في مخطوطات قديمة، ومسؤولية الخطاطين والمصممين، وما ألفه الناس من استخدام الرموز والمختصرات في الكتابة. وأردت تعميما للفائدة أن أورد أدناه بيانات إضافية أوحت إلي بها تساؤلات المهندس المستندة إلى قبس من نور الفكر ومنهجية البحث العلمي.

من الحق أن اسم الجلالة كتب في مخطوطات قديمة بأحجام مختلفة، ففي كتب الرسول (صلى الله عليه وسلم ) إلى الملوك تنوعت الأحجام، غير أن الاسم أخذ في الغالب الحجم الطبيعي البارز، وكذلك الشأن في المصاحف الأولى، على أن ذلك كان في فترة لم يتطور فيها الخط العربي. وبتطوره اتسقت أشكال الحروف وتناسقت في الكلمات، ولم يبق لنا عذر. والحق أن النساخ كانوا – فيما سلف – فئات: طائفة كتبت اسم الجلالة بخط صغير كالذي نعهده اليوم في جل الخطوط المحوسبة، وما نحن بملتمسين لهؤلاء عذرا؛ وطائفة كتبت اللامين والهاء بحجم صغير لكنها رسمت الألف بارزة باسقة، ولعل هؤلاء طلبوا في الألف الشامخة معنى الواحد (1) تنبيها إلى أنه الواحد الأحد، ولهم في ذلك بعض العذر عن غمط حق بقية الحروف؛ وطائفة حرصت على كتابة الاسم المفرد بلمسات أدب وإجلال ولم تبخسه حقه، فميزته بحجم أو بشكل خط أو بلون، ومن هؤلاء من ضبطوا فأضافوا شدة وفتحة عريضة وألفا عالية، دون مساس بحجم اللامين فجاءت الكلمة وكأنها منارة، يزدان بها ما حولها. وهؤلاء هم القدوة فيما نحن بصدده.

ولا مسوغ لنا البتة في الاستئسار لما تقدمه تكنولوجيا الطباعة والمعلومات، وقبوله على علاته، فمن حسنات هذه التقانات المعاصرة أنها جاءت لتخدم الإنسان، وتمكّن له وتقلص الفجوة بين أفكاره وأفعاله. والذي حدث إلى الآن، فيما نحن بصدده، هو عكس ما ينبغي أن يكون، فقد استخدمنا تكنولوجيا الطباعة لتنميط كتابة اسم الجلالة بشكل لا يليق بجلالته، وكان – وما يزال – بالإمكان أن نستخدمها لتنميط كتابته بشكل لائق، وهذا ما ندعو إليه.

ليس من همنا هنا أن نصدر حكما قضائيا باتهام طرف أو آخر، وإنما نرصد واقعا وننبه إليه. نعم، من الراجح أن تكون للخطاطين والمصممين مسؤولية في هذا الواقع، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية شركات البرمجة والصناعة المعلوماتية، إذ لا شيء يمنعها أن تحفظ لحروف اسم الجلالة أحجامها الأصلية في الخط المحوسب. والمهم أن تقزيم هذه الكلمة الجليلة خطأ أيا كان المسؤول عنه. ومن البلية أن يتواضع عليه الخطاطون والمصممون وتمضيه شركات الصناعة المعلوماتية، ثم نزكيه نحن بالاستعمال الساذج، دون أن ننتبه أو ننبه!!

يبقى سؤال السائل: ما الضير في أن يكتب اسم الجلالة بحروف دقيقة، وقد تواضعنا على رموز دقيقة نختزل بها جملا كاملة مثل جمل الصلاة والسلام ونحوها؟
الواقع أن اختزال جمل مثل الصلاة والسلام هو سنن حميد يتسق وبلاغة العربية وجمالية خطوطها، فقد شرع اللسان العربي اختزال جمل في كلمات منطوقة ومكتوبة مثل قولنا الحسبلة والهيللة والسبحزة (سبحان ربك رب العزة عما يصفون). وكان من إبداعات الخطوط العربية أن أمدتنا – وطاوعتها تقانة المعلومات - بمختصرات لجمل في قوالب وأشكال بهية تقتصد المساحة ولا تغمط الكلام حقه، كالمختصرات التالية (جل جلاله) ، (صلى الله عليه وسلم ) ونحوها. وقد نحا المحدّثون وغيرهم هذا النحو في اختصار بعض الأسماء والكلمات المتواترة مثل كتابتهم «ثنا» (حدثنا) و»ح» (حدثني) و»ص» (صحيح) و»ح» (حسن) و»ض» (ضعيف)، كما رمزوا إلى أسماء بعض العلماء الذين يكثر ذكرهم بحرف أو أكثر، ونبهوا إلى ذلك في اصطلاحاتهم في مقدمات كتبهم. ولم يقع شيء من هذا الاختصار ولا ينبغي أن يقع لا مع اسم اللـه (جل جلاله) ولا مع اسم رسوله (صلى الله عليه وسلم ) . ثم إن ثمة فرقا بين رمز تختصر به كلاما، وهذا أمر محمود، وبين تقزيم كلمة أو حرف وهو ما لا يتأتى إلا لغرض وجيه، مثل الواو الصغيرة في «عمْرو» تمييزا له عن «عمر» ورموز التجويد التي تغني عن إدراج كلام غريب في متن النص المحكم.

أما اتخاذ رمز مخصوص لكتابة اسم الجلالة فأمر سائغ ووجيه إذا احترم هذا الرمز مكونات الكلمة وأبرزها في حلة لائقة، وهذا ما ينبغي أن نسترعي إليه انتباه الخطاطين والمصممين والمبرمجين وسائر المتدخلين في الصناعة المعلوماتية.

وفي انتظار ذلك، لا مناص من استخدام المطة (التطويلة أو الكشيدة) بين اللام الثانية والهاء من اسم الجلالة لتجنب الوقوع في فخ اهتضام الاسم الجليل.

الأحد - 04 مايو 2014

Sun - 04 May 2014