"الدوام لله.. والملك لصاحب الملك"

الجمعة - 23 يناير 2015

Fri - 23 Jan 2015



اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.. وكم هو الله لطيف بنا وبحالنا في هذه الأرض الطاهرة المقدسة، التي أرادها منذ الخليقة مركزا للكون، وهيأها لتُبعث منها الرسالة الخاتمة والخالدة..

فهبط إليها آخر وحي السماء إلى الأرض، وبعث منها الرسول الخاتم والنبي الأمين عليه صلوات الله وملائكته وسلام الناس أجمعين..

وأخرج من ظهرانيها رجالا علموا الدنيا كيف يكون الرجال.. فانتشروا في الأرضِ نورا ومحبة وعدلا وسماحا.. وأخرجوا العصور من الجهالة والظلام إلى النور وطرق الفلاح.. وتوالى فضل الله على هذه الأرض ولم يزل إلى يومنا هذا الذي نودع فيه ملكا رحيما، لنبايع فيه ملكا كريما، وولي عهد مخلصا أمينا.

اللهم إنا نشهدك إنا بايعنا سلمان بن عبدالعزيز ملكا، ومقرن بن عبدالعزيز وليا للعهد، ومحمد بن نايف وليا لولي العهد، اتباعا لوصية نبينا العظيم «أن لا يبات أحدكم إلا وفي رقبته بيعة».

هذا هو الإسلام، الشمعة التي تضيء دائما أحلَك السُّبل، وهذا هو الإيمان الذي يمسح كل دمعة، وهو الموت الحقُ الذي يدرك الناس ولو كانوا في بروجٍ مشيدة.

إنها العقيدة الراسخة والمُعتقد الأوثق، فالخلد لم يخلق لبشر.. والحياة كما هي.. تبقى رحلة مؤقتة إلى مستقر صدقٍ عند مليك مُقتدِر.

ولكنه الفراق، ذلك الإحساس الذي تتجسد فيه الآلام واقعا يكاد لولا نعمة الصبر يمزق كل جأشٍ يسكن في أي صدر.

نعم كنا جميعا نحبه، وجميعُنا كان يشعر بحبه، حتى غدا صديقا لكل مواطن، وأمسى حبيبا لكل ساكن.. فقد نذر نفسه لأمة بأسرها.. ووهب كل طاقاته لإسعادها.. وعمل جاهدا لبلوغ الآمال، فما ضنَّ ولا بخِل وما قصَّرَ أو ادخر. حتى حان الأجل وجاء موعدُ الفراق.. وساعة الرحيل، مع تباشير يوم الجمعة..

اللهم إنا نشهدك إنا سامحناه وحللناه، فقد كنا جميعا في ذمته.

وكم كان يقول للناس «يعلم الله أنكم في قلبي أحملكم، وأستمد قوتي من الله ثم منكم، فلا تنسوني من دعواتكم».

اللهم فارحم عبدك عبدالله بن عبدالعزيز يا أرحم الراحمين واغفر له ولأموات المسلمين.. اللهم أخلفنا بخير وأجبُر مصابنا وأجمع كلمتنا على الحق، يا من بيدك المُلك والخلق والأمر، وبيدك النفع والخير، إنك على كل شيء قدير وإليك المرجع وإليك المصير.

نعم إنها رحمة الله التي تحيط بهذه الأرض.. وتطوق هذا الوطن، فغدونا النموذج والمثل في الفرح وفي الشجن. وتأكدت الدنيا بمن فيها من مخلصين ومتربصين ومحبين وحاقدين أن بلادنا محمية بفضل الله، ثم بفضل هذا الدين الذي يحمي الحقوق ويصون العهود ويرسّخ الأخلاق والقيم.

فمنذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، المرحوم بإذن الله، وحتى الأمس، وفي كل يوم بعون الله سنبقى على قلب رجل واحد، نحمي هذه الديار ونصون إرثنا الماجد. لا مكان بيننا لعابث أو دخيل أو حاقد. وستبقى المملكة العربية السعودية بحول الله عصية على كل الفتن، النائمة منها والمستيقظة، ما دامت كلمة الله هي العليا، وما دام كتاب الله دستورا، وما بقي هديُ محمد منبرا وسبيلا.

ولا أدري لمن يُقدم العزاء في هذا المصاب الجلل وفي مثل هذا اليوم الأليم، بعد العزاء لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والأحبة الكرام أنجال الراحل الكريم والأسرة المالكة الكريمة.. والشعب السعودي النبيل، فكل من عاش عهد عبدالله بن عبدالعزيز، وكل من عرف عبدالله بن عبدالعزيز، وكل من أحبه وعشقه يُعزّى فيه، كل العرب فيه يُعزون، وكل مسلم فيه يُعزّى، وكل محب للإنسانية والخير والسلام فيه يتلقى العزاء.

إني مُـعَـزِّيك لا أنيِّ على ثقة

من الخلودِ ولكنْ سُنَّـةُ الدينِ

فما المُـعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِه

ولا المُعَـزَّى وإن عاشا إلى حينِ

إنها التعزية التي تتبعها الأمنية لمن قيّض الله له تولي هذه المسؤولية الكبرى، وكتب له هذا الشرف العظيم ليكون خادما للحرمين الشريفين ووليا لأمر الأمة، وراعيا لشؤون الناس، أن يكتب الله له الخير والتوفيق، وأن يجعل السداد له الوجهة والطريق، وهو بعون الله أهل له، فقد خبرته الأيام وخبرها، وعركته الأحداث وعركها، وبقي على مدى العقود ساعدا وعضدا أمينا ممدودا لإخوته الكرام البررة، وأمينا لأمر شعبه وأمّته.

وسيبقى بإذن الله، وولي عهده الأمين، منارة تواصل الإشعاع من بلاد النور إلى كل نفس وكل أرضٍ إلى النور تتوق.

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.