حوار مثقفات سعوديات
كان عرض التجارب الشخصية في مجتمعنا وما يزال يواجه بعوائق كثيرة، فقد رحلت عن دنيانا شخصيات مهمة لم تدون تجاربها بالقدر الذي تستحقه حكاياتهم، وفقد المجتمع خبرات للوعي بتشكله الحضاري،
كان عرض التجارب الشخصية في مجتمعنا وما يزال يواجه بعوائق كثيرة، فقد رحلت عن دنيانا شخصيات مهمة لم تدون تجاربها بالقدر الذي تستحقه حكاياتهم، وفقد المجتمع خبرات للوعي بتشكله الحضاري،
السبت - 03 مايو 2014
Sat - 03 May 2014
كان عرض التجارب الشخصية في مجتمعنا وما يزال يواجه بعوائق كثيرة، فقد رحلت عن دنيانا شخصيات مهمة لم تدون تجاربها بالقدر الذي تستحقه حكاياتهم، وفقد المجتمع خبرات للوعي بتشكله الحضاري، وطبيعة التحديات التي مرت بهم، وتدوين للانفعالات النفسية والاجتماعية والدينية والسياسية في كل مرحلة. ظهر في السنوات الأخيرة اهتمام بهذا الجانب يختلف مستواه بين ممارسة وأخرى، لها دور إيجابي في سد بعض الخلل، ومنها الحوارات الصحفية والفضائية التي تكشف جانبا من بعض تجارب النخب في المجتمع. وقد حدث تطور في مستوى الحوارات والأفكار المطروحة أحيانا، مقارنة بحوارات صحافة السبعينات والثمانينات التي كانت تطرح أسئلة من نوع ماذا يحب الضيف أن يأكل ورأيه بالقمر والليل! وحتى التحديات التي كانت تطرح على الضيوف هي من النوع الشكلي.. كيف كنتم تعيشون في البيت الطيني مقارنة بالمنازل الفارهة وصعوبات النقل والصحة، وليست حول إشكاليات اجتماعية وسياسية وفكرية. وإذا كانت معرفة تجارب نخب مجتمعنا من الرجال تعاني من إشكاليات وظروف مصلحية تعيق عرض هذه التجارب بشفافية، فإن النخب النسائية في مجتمعنا تبدو أكثر صعوبة.. فالتجارب الذاتية لنخب نسائية كثيرة شبه مجهولة، حول طبيعة التحديات الحياتية والأفكار والظروف التي مرت بهن، وحياتها في المحيط الاجتماعي والنسائي، وحتى التجارب الوظيفية العملية في محيطها الإداري شبه غائبة، فبعد أكثر من أربعة عقود على حضور المرأة في العمل لا توجد حكايات كافية لرائدات في أكثر من مجال، ومع كثرة الحوارات التي تمت مع بعض النخب النسائية إلا أنه يغلب عليها التركيز على جوانب وأفكار هموم اليوم وسجالاته، وليست تدوينا لتجارب ومراحل صنعت مجتمعنا الحالي. قدم علي العلياني عبر برنامجه “يا هلا” سير فضائية مميزة لنخب كثيرة، ومع أن مهنية المذيع الذي أسس في فضائيتنا الاهتمام بالمحليات اليومية منذ سنوات قبل أن يقلده آخرون.. تبدو في هذا المجال أكثر، فإن مساهمته أيضا في حوارات مع نخب ثقافية غنية جدا، وأتاحت تجربته أن يكون أكثر مهنية، مع ما يمتلكه برود إنجليزي وجرأة كامنة، وتعبيرات وجه محايدة. لقد كان حواره مع كل من بدرية البشر وفوزية أبوخالد مؤخرا مميزا في تناول البعد الشخصي في حياة مثقفات سعوديات لهن حضور بارز، وأضاء جوانب مهمة في تجربة كل منهما، ففي حواره مع البشر تناول جوانب غير معتادة من الحياة الاجتماعية والعملية في سيرتها، فقد وصفت للمشاهد شيئا من حياتها الصحفية في أول مكتب نسائي في صحفنا بعيد عن مركز الجريدة، وكيفية إرسال المواد الصحفية، وكتابة التقارير والحوارات الصحفية، والصعوبات الكثيرة، وطريقة النقل للعمل والعودة للمنزل.. ونظرات الأقارب والمجتمع، ورؤية سيارة وسائق الجريدة يقف عند المنزل، وكلام الأقارب، وقصة زيارة مطبعة الجريدة، مشاهد متعددة تصور شيئا من حياة المرأة التي انخرطت في عمل غير مألوف في تلك المرحلة. في لقاء آخر استضاف العلياني فوزية أبو خالد وتجربة شعرية وكتابية وأكاديمية عريضة، مع بروز مبكرا جدا وعميق في المشهد الثقافي. جاء حضورها في الحوار مميزا وشفافا في عرض جوانب مهمة من حياتها.. والاتجاهات الفكرية التي تأثرت وتفاعلت معها، مع محاولة الحفاظ على استقلالية المثقف والكاتب الضرورية التي تفرض عليه عدم الانجراف إلى تيار معين، فكما تقول “بأنه يهمها استقلالها الفكري وكمبدع، وما كنت أبغى أتسلسل بمقولات ومواقف حزبية” وهذا لا يمنع أن تلتقي مع بعض الأفكار التقدمية، ويبدو أن هذه التجربة الثرية هي التي جعلتها أبرز كاتبة سعودية في الشأن السياسي والهموم العربية مبكرا. واختارت رسالة الدكتوراه بأن تكون عن المرأة والخطاب السياسي. عرض الحوار شيئا من تجرتها الكتابية الطويلة في صحافتنا، وإيقافها بعد مقال شهير لها “في الصيف ضيعت البترول”، وكشفت بدون ادعاءات نضالية استعراضية حكاية المنع من السفر والكتابة وتعطيلها عن عملها الأكاديمي لسنوات طويلة وحكاية عودتها، وأشارت بتقدير إلى تجربتها وانخراطها بمنظمة الطلبة العرب وترى أنها “أعادت الاعتبار للطريقة التي ننتمي فيها لأوطاننا”، وتحدثت عن القسم في الجامعة الذي شاركت في مرحلة تأسيسه.. ثم بذل جهدا كبيرا لتنويمه في الثمانيات مع صراعات تلك المرحلة وتحويله إلى شبه مدرسة.. ثم يبذل الآن جهدا كبيرا لإيقاظه. أعجبني جوابها عن مستوى الحرية والجرأة حول تجربة الكتابة مع كل من فهد الحارثي وعبدالله مناع كرؤساء تحرير بأن “اللحظة التاريخية تعمل منا جريئين أو تعمل منا غير جريئين” ويبدو لي أن هذه اللحظات التاريخية لا تتشكل بدون مبادرات ذاتية.