محمد العقلا

ثقافة مسؤول

الأحد - 25 سبتمبر 2016

Sun - 25 Sep 2016

‏امتدح المولى، جلت قدرته، حسن الخلق بقوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال عنه، صلى الله عليه وسلم، (أقربكم مني ‏منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)، ‏وهذا هو منهج الإسلام الذي يفترض أن نكون عليه ونسير على نهجه.



ومن هذا المنطلق فإن الأصل أن تسود هذه الثقافة في أوساط جميع فئات وأفراد المجتمع، ‏ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أنك تجد هذه الثقافة شائعة في كثير من أوساط المجتمعات الغربية والشرقية غير المسلمة، ‏حيث تجد أفراد المجتمع - والمسؤول على وجه الخصوص - يتحلى بها ويطبقها في حياته وأثناء عمله، وكثيرا ما سمعنا عن استقالة بعض المسؤولين ‏في تلك الدول عندما يظهر للمجتمع مخالفتهم للأنظمة والقوانين المتبعة في دولهم، واعتذارهم عن سوء تصرفاتهم، ‏وبعض منهم تتم إحالته إلى القضاء ليقرر ما يصدر بحقه من عقوبات، في حين تجد العجب العجاب في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية، حيث يفتقر كثير من المسؤولين لهذا النوع من الثقافة التي يفترض أن تكون هي الأصل، وحل بديلا منها وعنها الثقافة الفرعونية التي أشار إليها المولى في كتابه العزيز على لسان فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) وقوله تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه)، ولذلك فإن كثيرا من المسؤولين ‏في هذه الدول بمجرد تعيينهم في مناصبهم يعتبرون هذا المرفق تابعا لهم، ومن يعمل تحت إدارتهم عليه السمع والطاعة، ‏وأما من يجرؤ من هؤلاء الموظفين، حتى وإن كانوا قياديين، على مجرد إبداء المرئيات حيال هذه الأوامر والتعليمات فإن مصيره إما التهميش أو مضايقته لتقديم استقالته. ‏وقد شاهدنا كثيرا من هذه التصرفات من قبل هؤلاء المسؤولين في مجتمعاتنا المحلية والعربية والإسلامية.



وفي واقع الأمر فإنني أشفق ‏كثيرا على من يعمل تحت إدارة هذه النوعية من المسؤولين الذين يعيشون في أبراج عاجية ولا يقبلون أي مناقشة أو إبداء وجهة نظر حول قراراتهم.



وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف الورقية والالكترونية المحلية جدلا ساخنا دار بين مسؤول وأحد القياديين بإدارته، ‏نتيجة لاعتراضه على صرف مبلغ مالي لعدم نظامية الصرف - حسب قوله - فما كان من المسؤول، انطلاقا من الثقافة السلبية السائدة، ‏إلا الإصرار على تنفيذ أمره، ‏وذيل هذا الإصرار بعبارة استفزازية، مما دفع بهذا المرؤوس إلى تقديم استقالته وقبلها المسؤول فورا.



وكنت أتمنى من هذا المسؤول لو أحال اعتراض المرؤوس على صرف المبلغ إلى الإدارة القانونية للنظر في أسباب الاعتراض، وهل هي تستند إلى النظام أم لا، وإذا اتضحت سلامة موقف هذا المرؤوس، فينبغي أن ينال ما يستحقه من الثناء والتقدير والتكريم، فمثله لا ينبغي أن تخسره أجهزة الدولة، وإذا ‏اتضح عكس ذلك فيتم لفت نظره إلى ما يترتب على مثل هذا التعنت غير المبرر من أضرار قد تلحق ‏بتأخير إجراءات الصرف، وفي كلتا الحالتين سوف يحظى موقف المسؤول بإعجاب منقطع النظير من الجميع، ويعكس صورة مشرقة لرقيه وحسن خلقه وتعامله، ولكن أن يتم دفع هذا المرؤوس إلى تقديم استقالته من خلال تلك الأساليب الاستفزازية التي تنم عن تعال وغرور وغطرسة، فإن هذا سوف يدفع بأمثال هذا الموظف ‏من أبناء الوطن المخلصين إلى مزيد من الإحباط. وإلى الله المشتكى.



[email protected]