الجهل العربي اللذيذ
يقول «سقراط» إن «الجهل أبو الشرور»، لكنه لم يحدد من هي أمه، وكأنه يتيم، وفي تقديري أن أم الجهل هي «ادعاء العلم»
يقول «سقراط» إن «الجهل أبو الشرور»، لكنه لم يحدد من هي أمه، وكأنه يتيم، وفي تقديري أن أم الجهل هي «ادعاء العلم»
الأحد - 20 أبريل 2014
Sun - 20 Apr 2014
يقول «سقراط» إن «الجهل أبو الشرور»، لكنه لم يحدد من هي أمه، وكأنه يتيم، وفي تقديري أن أم الجهل هي «ادعاء العلم».. وقد لخص «أبو نواس» الأمر في صيحته الشهيرة: «قل لمن يدعي في العلم فلسفة، حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء». وادعاء العلم مرض عضال غالباً ما يصيب الإنسان نصف المتعلم الذي هو أخطر بكثير من الجاهل، لأنه ببساطة لا يعرف أنه جاهل، وبالتالي لا يقبل أي جديد؛ فهو شخص أحب نفسه وأقنعها بأنها محور هذا الكون، وأن كل من يخالفه في الرأي هو إنسان أقل. والأكثر جهلاء هو الأكثر ادعاء للمعرفة؛ بينما كلما زاد علم الشخص زاد تواضعه واتضاعه. وقد أكد العديد من الفقهاء على أن ادعاء الإنسان ما ليس له: أعظمه وأشده هو ادعاء العلم. وهذا المرض عادة ما يصيب الشباب الصغير، فتراكم سنوات العمر يتناسب طردياً مع الحكمة، و»فيكتور هوجو» قال ذات يوم: «لست شاباً لأعرف كل شيء»، يبدو أن الرجل فاض به بعدما رأى الشباب يدعي المعرفة المُطلقة!
الكثيرون لا يتدبرون قوله تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»، ولا يتفهمون أن هذا القليل سيظل قليلاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويقول الصحابي الجليل «على بن أبي طالب» رضي الله عنه: «الرجال أربعة، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فاتبعوه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه». والنوع الأخير هو الأخطر على الإطلاق ولذلك يؤكد المتنبي على أنه «لكل داء دواء يستطب به، إلا الحماقة أعيت من يداويها».
وكما أن العلم درجات، فالجهل أيضاً درجات، فهناك الجهل البسيط؛ وفيه يتم فهم موضوع ما دون معرفة التفاصيل المحيطة به. ويوجد الجهل الكامل؛ وهو عدم معرف أي شيء عن موضوع ما. ويوجد الجهل المركب، وفيه يتم فهم الموضوع بشكل مخالف للحقيقة. ويبقى النوع الأخطر من كل ما سبق هو «الجهل اللذيذ» الذي يحبه الكثيرون في عالمنا العربي فيرفضون النصيحة من أي شخص، حتى لو كانت نصيحة إلهية من كلمة واحدة تقول «اقرأ»!