بلاد الملايين

في نهاية هذا الأسبوع كنت في الروضة الشريفة وبجانبي رجلان أحدهما جاء زائرا والآخر من السعوديين، انتهى الزائر من الصلاة ورفع يديه بالدعاء، فمد السعودي يده وأمسك بيد الرجل وقال لا يجوز أن ترفع يديك بالدعاء والقبر أمامك هذا شرك لا يجوز

في نهاية هذا الأسبوع كنت في الروضة الشريفة وبجانبي رجلان أحدهما جاء زائرا والآخر من السعوديين، انتهى الزائر من الصلاة ورفع يديه بالدعاء، فمد السعودي يده وأمسك بيد الرجل وقال لا يجوز أن ترفع يديك بالدعاء والقبر أمامك هذا شرك لا يجوز

الأربعاء - 09 أبريل 2014

Wed - 09 Apr 2014



في نهاية هذا الأسبوع كنت في الروضة الشريفة وبجانبي رجلان أحدهما جاء زائرا والآخر من السعوديين، انتهى الزائر من الصلاة ورفع يديه بالدعاء، فمد السعودي يده وأمسك بيد الرجل وقال لا يجوز أن ترفع يديك بالدعاء والقبر أمامك هذا شرك لا يجوز. اشتط الحديث بينهما وسأل الزائر:

هل لديك علم أو دليل على ما تقول؟

فكان رده يدل على أنه لا يعرف شيئا وكل ما جاء به: (المشايخ يقولون حرام).

التفت الرجل إلي وكأنه يلومني أنني لم أتدخل فقال: نحن لم نأت لتعلمونا ديننا، نحن نأتي نحج ونعتمر على رأينا وعلى فقهنا وأنتم تقفون في كل طريق تفتون وترشدون. من يعلم منكم ومن لا يعلم مثل صاحبك هذا. أردت أن أخفف غضبه بشيء من الممازحة، حيث عرفت من كلامه أنه من الجزائر فقلت:

ألستم بلد المليون شهيد؟

قال: بلى.

وجيرانكم في موريتانيا بلد المليون شاعر؟

قال: بلى.

قلت له: لماذا تستكثر علينا أن نكون بلد المليون محتسب والمليون واعظ والمليون داعية، والمليون الذين يعرفون من الدين وعن الدين كل شيء؟! الملايين ليست فقط لكم، بل لنا نصيب منها!

هناك شكوى مرة يشكوها كثير من المسلمين الذين يأتون إلى مكة والمدينة حجاجا أو عمارا، وهم على علم ومعرفة بما يفعلون في نسكهم ويتبعون آراء فقهية معتبرة في بلادهم، فإذا عملوا بنسكهم تعرض لهم مثل صاحبنا الآنف ذكره بالنصيحة والتوجيه، وقد يصل الأمر إلى المنع والإنكار عليه وبطريقة قد تغضب الجاهل وتستفز العالم.

وهذا يلاحظه كل من يزور المدينتين المقدستين ولا سيما من بعض الشباب الذين لا يعرفون الكثير عن الاختلاف بين بعض المذاهب، فيظنون أن ما يرونه مما لا يعرفونه ولم يألفوه خطأ فينهون عنه بلا علم ولا بصيرة.

إن الناس الذين يقدمون إلى الحرمين الشريفين ليسوا جهالا، وأكثرهم يتبعون آراء معروفة عندهم ويستفتون مشايخ من مذاهبهم قبل القدوم للحج والعمرة، ولا يمكن أن يحمل الناس على رأي نعرفه ونتبعه، والرأي الفقهي الذي نعرفه ليس ملزما لغيرنا ممن له فقه ورأي آخر، وهذا من التضييق على عباد الله، وليست المشكلة ممن يعرف الفروق والاجتهادات، المشكلة من عامة المحتسبين العوام الذين إذا رأوا الحاج يعمل عملا لا يألفونه في ثقافتهم المحلية عدوه خطأ يجب تصحيحه والرجوع عنه وقاموا بواجب الاحتساب عليه، وهو ما يشكو منه بعض الناس عندما يحجون ويعتمرون.

إن الله أكرمنا أن جعلنا أهل بيته والقائمين عليه فضلا منه ومنة عظيمة، ولا شك أن الدولة بما وهبها الله من إمكانات ضخمة وجهت الكثير منها لخدمة الحرمين الشريفين وخدمة من يرتادهما من المسلمين، فسهلت الطرق وأقامت المرافق العامة ووسعت المساحات الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وكل ذلك ليؤدي الحاج والمعتمر نسكه باطمئنان ويشعر بالسكينة، وهو واجب علينا نحو إخواننا من المسلمين، ومكرمة لنا أن جعلنا الله نقدم هذه الخدمة ونحن سعداء بما نقدم. ولكن لا يجب أن يترك للعوام التعرض للناس وتنغيص ما هم فيه وإزعاجهم بلا دليل ولا حجة، مما قلل من جهدنا في نفوسهم، وقيمة ما نقدم لهم من خدمات.