سوق سوداء علنية للشرائح المشفرة
على قارعة الطريق في شارع فلسطين بجدة، أوراق منتشرة كأنها غسيل معلق على حبل. وفوق الرصيف مقاعد مصطفة، يجلس عليها أشخاص كتُجار البسطة. الطُعمُ أرقام مميزة لجذب الانتباه، فيما أعين الباعة لاهية ترمق القادمين. وما إن تلتقط السنارة صيداً،
على قارعة الطريق في شارع فلسطين بجدة، أوراق منتشرة كأنها غسيل معلق على حبل. وفوق الرصيف مقاعد مصطفة، يجلس عليها أشخاص كتُجار البسطة. الطُعمُ أرقام مميزة لجذب الانتباه، فيما أعين الباعة لاهية ترمق القادمين. وما إن تلتقط السنارة صيداً،
الأحد - 06 أبريل 2014
Sun - 06 Apr 2014
على قارعة الطريق في شارع فلسطين بجدة، أوراق منتشرة كأنها غسيل معلق على حبل. وفوق الرصيف مقاعد مصطفة، يجلس عليها أشخاص كتُجار البسطة. الطُعمُ أرقام مميزة لجذب الانتباه، فيما أعين الباعة لاهية ترمق القادمين. وما إن تلتقط السنارة صيداً، حتى يبدأ التفاوض همسا، وبين أكتاف المتزاحمين تكون المساومة، وفي الهواء الطلق تُدار عمليات البيع والشراء وتُنجز.
هناك على الضفة الجنوبية من شارع فلسطين الذي يتوسط جدة، وتحديداً أمام محلات بيع الجوالات وصيانتها، تجارة ممنوعة تتأرجح بين أرقام تُباع بهويات وهمية، وبين شرائح مُشّفرة وفي راوية أخرى مفتوحة.
كانت الانطلاقة عصراً، والبيع علناً. وحين تطأ قدماك المكان، ليس عليك إلا أن تسأل: أين أجد شريحة مفتوحة أو مشفرة؟ فيرشدك باعة منتشرون على جنبات الطريق إلى أحدهم. وكان الأقرب «أبو خالد» وهو سعودي في العقد الرابع من العمر. وما كاد صديقه يومئ إليه، حتى اقترب وبادر سائلا: هل تريد رقماً مميزاً؟ فرددنا عليه: نبحث عن شريحة مفتوحة. فانطلق يعرض الخيارات الموجودة لديه: شرائح اتصال مفتوحة دولية ومحلية، ومثلها مخصصة للبيانات...
عروض مختلفة، والقاسم المشترك بينها أنها مخالفة للأنظمة. أبلغناه أننا نحتاج إلى شريحة مُشفرة، فطلب 150 ريالا كرسم تأسيس يدفع مرة واحدة لاستخراج الخط. ثم سأل: أي شركة مشغلة تريد؟
سجل الطلب في قصاصة صغيرة، ثم أخذ المبلغ، وغادر إلى جهة مجهولة، دفعني فضول لملاحقته، فتتبعت خطواته خلسة. مرّ بأزقة خلفية للسوق المخصص لبيع وصيانة الهواتف النقالة، ثم دخل إحدى الشقق داخل بناية لا تكاد الحركة فيها تهدأ، ثم أغلق الباب خلفه.
أيقنت أن بقائي لا فائدة منه، فآثرت أن أعود إلى البسطة، أنتظر عودته.
لا تأخير ولا تسويف
بعد نحو ربع ساعة، عاد أبو خالد حاملاً الشريحة. وقبل أن يسلمها، بدأ في شرح آلية تفعيلها، قائلا: هذه الشريحة يمكنك الاتصال بها على مدار الساعة دون توقف، فقط أعد شحنها نهاية كل شهر، في تاريخ وساعة محددة دون تسويف أو تأخير، كي لا تُفصل الخدمة.. لا تقلق، في حال قُطعت الخدمة اتصل بي، لأعيد تفعيلها من جديد، فقط اتصل، لا ترهق نفسك فالأمر لا يستوجب حضورك.
قبل أن أغادر الرصيف الأغرب، سألته عن نطاق الاتصال فأخبرني أنه محليّ بحت. وعن مصدر الشرائح، فذكر أنها رسمية وتحمل شعار الشركات المشغلة للاتصالات في السعودية. تأملتها فلمحت شعار إحداها، ثم أخذت رقمه تحسباً لأي طارئ، وغادرت.
شريحة القروبات
وفي زحمة الحركة الدؤوبة كان أحد الباعة يقدم لمشترٍ شرحاً عن شرائح المجموعات، استرقت السمع فكان الأول يعرض ما سماه «شريحة القروبات»، وتتكون من 10 أرقام يمكن التواصل بين أفرادها مقابل 20 ريالاً كُل شهر. ومن باب الإغراء أخبره أن باستطاعته أخذ عشر شرائح لأفراد الأسرة المقربين، والتحدث فيها أيضا مُشفر، وبكلفة للمجان. وأضاف: الأمر لا يتطلب منك أكثر من شحن بحفنة ريالات شهريا.
تركت البائع والمشتري، في مفاصلة ربما تنتهي بالموافقة أو بعبارة «يفتح الله»، موقنا بأن كل واحد منهما سيجد غايته، وقبل أن أنهي الرحلة، حاولت كشف بعض الأسرار، إلا أن الغموض كان يكتنف التعاملات، والخفاء يحيط بالتحركات، ما استطعت الوصول إليه، أن أعمال التشفير تُدار في غرف عمليات سرية، لا يمكن للزبون الوصول إليها، أو معرفة آلية العمل التي تُخترق من خلالها الشبكة وتتحدى التسعيرة الرسمية.
ما وصلت إليه أنه في حال شنت الجهات الأمنية حملة دهم يغادر الجميع المكان تاركين خلفهم الأوراق، فالشرائح ذات الأرقام المميزة محفوظة في جيوب الثياب، والمشفرة تحت البرمجة في الغرف الغامضة.
سر الحديث الدائم
على مقربة من شارع فلسطين، كان العمال يضعون سماعات متصلة بهواتفهم النقالة بشكل دائم لدرجة أن الواحد منهم لا يكاد يكف عن الحديث. فالتقيت أحدهم، وسألته عن سر الحديث الدائم وعلاقته، بالسماعة المعلقة بأذنه؟
فأجاب بتساؤل: هل تريد مثلها؟ أخبرته أن لدي سماعة، فقاطعني مستدركاً: تعني الشريحة؟ أومأت برأسي مجيبا، إلا أنيّ اشترطت عليه أن أفهم الطبخة.
بدأ العامل وهو هندي يدعى شمس ويعمل في بقالة، في سرد الحكاية، قائلا: هذه شريحة يحضرها مندوب مقابل 30 ريالاً فيها 720 دقيقة دولية، ويمكن الاتصال بها دولياَ، فبعد أن يعرف السمسار البلد الذي تريد التواصل معه، تعطيه المبلغ، وفي غضون 24 ساعة تصبح الشريحة خطا ساخنا لا يتوقف، وعند نهاية كل شهر يُعاد شحنها بـ 30 ريالاً. وفي ختام حديثه أكد أن حالة التوقف عن الحديث تكون فقط ؛ حين تفرغ بطارية هاتفه النقال.
10 ملايين باحث
تجارة الشرائح المفتوحـة لـم تقتصـر على صفوف الباعـة المتخذيـن من أرصفـة العابرين محالاً للترويـج لبضاعتهم، ولم تقـف عند حـد السمـاسـرة ومندوبي المبيعـات، بل وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعـي والانترنت، فعلى محرك البحث الأشهر، ما إن تبـدأ في كتابـة «شرائح مفتوحة»، حتـى تكتمل العبارة فورا، وبلمحة لعدد الباحثين بـذات المفردات، تجاوز العدد 10 ملايين باحـث، ما يدل على رواج العبارة وانتشار سوقها، كذلك كثرة الراغبيـن في الحصـول على هذا النوع من الشرائح.
رسالة استفسار ولا مجيب
أرسلت «مكة» الاستفسار عن موضوع الشرائح المشفرة برسالة نصية على هاتفي النقال للمتحدث الرسمي لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس سلطان المالك، إلا أنه لم يتفاعل أو يرد على مدى ثلاثة أيام.
خطر أمني وملاحقة مستمرة
أكد مصدر أمني أن تشفير الشرائح يشكل خطراً أمنيا تتصدى له الجهات الأمنية بعمليات دهم مستمرة في المواقع التي يتم التبليغ عنها أو يرصدها رجال البحث والتحري.
ولفت إلى أنه تتم مصادرة الشرائح المخالفة والتي غالبا ما تكون مسبقة الدفع وتحمل هويات لأشخاص غير معروفين كذلك يتم التحفظ على الباعة المقبوض عليهم.
تشفير على الطريقة الهندية
أفاد هاكر أن طريقة التشفير تتولاها جنسيات ذات خبرة في الاتصالات، مشيرا إلى أنه في غالب الأحيان يكونون من الجنسية الهندية والذين يستخدمون شبكات بلادهم لتمرير المكالمات باستخدام برامج مخصصة لهذا الغرض .
الداخلية لإمارات المناطق: الصرامة مع الشرائح المجهولة
شددت وزارة الداخلية في تعميم لجميع إمارات مناطق المملكة عندما بدأ تطبيق قرار ربط إعادة الشحن برقم الهوية مطلع العام الماضي، على تطبيق إجراءات صارمة ضد المخالفين لبيع شرائح الاتصالات المجهولة، تصل إلى المساءلة الأمنية وإغلاق المحل وإبعاد غير السعودي.
وأوضحت وزارة الداخلية أنه يمنع بيع الشرائح مسبقة الدفع بطريقة غير نظامية، أو بيع الأجهزة غير المرخص لها نظاما، مؤكدة أن كل من يرتكب ذلك يعد مخالفا بشكل صريح لنظام الاتصالات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/12 في 12/3/1422هـ وللتعليمات الصادرة بهذا الشأن.
ونصت العقوبات التي ستطبقها الجهات المعنية ضد المخالفين على مصادرة مواد المخالفة المضبوطة (الشرائح والأجهزة المخالفة)، والمساءلة الأمنية، وإغلاق المحل المخالف، وإبعاد غير السعودي لبلاده بعد التحقيق معه والتأكد من عدم وجود أي ملاحظات أو مطالب عليه.