اختطاف التعليم

في جل الأوساط التعليمية توجد حساسية مفرطة تجاه الأدب العربي الحديث، وحساسية أكثر تجاه المؤسسات الثقافية،
في جل الأوساط التعليمية توجد حساسية مفرطة تجاه الأدب العربي الحديث، وحساسية أكثر تجاه المؤسسات الثقافية،

السبت - 05 أبريل 2014

Sat - 05 Apr 2014




في جل الأوساط التعليمية توجد حساسية مفرطة تجاه الأدب العربي الحديث، وحساسية أكثر تجاه المؤسسات الثقافية، فيتكهرب الكثيرون عندما يأتي ذكر (النادي الأدبي/ جمعية الثقافة والفنون/ قناة الثقافية أو اسم فلان أو فلانة من الوسط الثقافي)، إلى درجة تدور فيها النقاشات الحادة والساخنة التي غالبا ما تكون محاورها (المرأة/ الليبرالية/ التغريب/ التغريد خارج السرب ...) وتنتهي بانفضاض الفرقاء دون اتفاق مطلقا.


هذا الأمر ـ في نظري ـ مناط بحث علمي، بل أبحاث علمية عميقة، تستقرئ تاريخ المنشآت الثقافية، والنظرة السوداوية إليها من بعض الشرائح الاجتماعية، للوقوف على أسباب عزوف الكثيرين عنها، بل وعدم علم بعض المجاورين لها عن مناشطها وبرامجها. ولعل للسماع دوره الكبير في تشويه صور حراك المنشآت الثقافية، خصوصا إبان الصراعات في فترة الثمانينات وما تلاها بين أقطاب الثقافة في تلك المرحلة وخصومهم من الصحويين.


إن انغلاق المؤسسات التعليمية على فكرة واحدة، وتوجهٍ واحد يمنع كل صوت غير صوته الذي يزكيه (بالفلاح والصلاح) لهو من أشد عوائق التميز الثقافي، وقد منح هؤلاء أنفسهم حق الوصاية على الأجيال واختزال خياراتهم الحياتية والثقافية فيما يرونه فقط، حتى أثر هذا على الأنساق الثقافية والنسيج الاجتماعي، التي أثرت بدورها عميقا على حياة الأمة وترقّيها وتطورها بما يواكب حراك الأمم المعاصرة.


إنه لمن العجائب أن تجد على أرفف المكتبات المدرسية كتابا يحوي شعار نادٍ أدبي، أو مجلة صادرة عن جمعية الثقافة والفنون، أو أي منشأة ثقافية أخرى، وإن وجدت تلك العجائبية فستكون هبطت على الرف خطأً أو دسّها مؤمن بحرية الفكر، أو أنها لصوت مهمٍّ يمثل وجهة النظر اليتيمة، لكنك ستغنّي (ألا واشيب عيني) قبل أن تعثر على نصٍ أدبي لشاعر أو كاتب أو سيرة لفنان سعودي في مناهج الأدب، أو حتى للاستشهاد على الأنواع الأدبية الحديثة، وإن ساعدك الله ووجدته فستجده نصا وطنيا أو دينيا لا يخالف الفكرة المستوحاة من روح الفكرة العامة اليتيمة في شرق التعليم وغربه.


ثم إذا أعملت النظر وتعمقت قليلا في البيئة التعليمية، انقلب إليك النظر كسيحا، أمام الأنشطة المسرحية المقصاة إلى درجة التهميش، أو الأداء السقيم، وتكرار فكرة واحدة لا تقبل القسمة حتى على واحد، لتقف مندهشا أمام الانفصام الحادث بين النشء في بيئتهم التعليمية وحياتهم الثقافية الآنية أو المقبلة.


لا أستغرب بحكم مشاركتي في منشأة ثقافية أن يأتي مبدعٌ جاوز الأربعين دون أن يجرؤ على ارتياد منشأة ثقافية، ولا أندهش من شاعر تحول إلى شاعر مناسبات تعليمية أو اجتماعية، ولا فنان لم يكتشف قدراته مبكرا، مادام جل التركيز والاهتمام منصبا على مواهب سطحية، تُوجَّه غالبا من مراحل مبكرة إلى مناشط تقتل فيها الحس الإبداعي قبل أن تتبرعم.


بيئتنا التعليمية تشكو الانفصام بينها وبين الحراك الثقافي العام، وتتقوقع في فكرة واحدة، تحجب عنها كل ضياء آخر، وتحرم الإنسان من الانفتاح على المزيد من الخيارات الإنسانية والإبداعية، لكن الأمل يكبر بجلوس الأمير الشاعر الفنان خالد الفيصل على هرم الوزارة، لإيماني العميق بما يحمله فكره من تنوير يستطيع بحنكته وضع جميع الخيارات أمام النشء، ويقتدر على مد جسور واشجة بين البيئة التعليمية والحراك الثقافي العام من خلال المنشآت الثقافية والإبداعية في الوطن.


إن من أولى الأولويات في نظري لبناء وطن متناغم التيارات والأطياف ألا يتبنى المسؤولون وجهة نظر واحدة، وألا يوكل أمر البناء إلى طيف أو توجه معين يقف سدا في وجه كل رؤية تخالفه، بل يجب أن تتحرك كل الرؤى باتجاه واحد لا تصادمية فيه، هو باختصار « بناء الوطن بإنسانه السعودي».