المحبطون.. عويلٌ على كارثة ربما تحدث!

وهؤلاء فئة في المجتمع دأبت على التنبؤ بالاحتمال الأكثر سوداوية دائما، ويصل بهم الزهو مداه عندما تحصل كارثة، إذ يتسابقون بنشوة منتصر لترديد مقولتهم المفضلة: (ألم نحذركم؟)،
وهؤلاء فئة في المجتمع دأبت على التنبؤ بالاحتمال الأكثر سوداوية دائما، ويصل بهم الزهو مداه عندما تحصل كارثة، إذ يتسابقون بنشوة منتصر لترديد مقولتهم المفضلة: (ألم نحذركم؟)،

الاثنين - 24 مارس 2014

Mon - 24 Mar 2014




وهؤلاء فئة في المجتمع دأبت على التنبؤ بالاحتمال الأكثر سوداوية دائما، ويصل بهم الزهو مداه عندما تحصل كارثة، إذ يتسابقون بنشوة منتصر لترديد مقولتهم المفضلة: (ألم نحذركم؟)، هم قادرون على جعل صباحاتك كالحة ومدبوغة بملوحة الدمع وتنهيدات اليأس، ومهما حاولت أن تبتعد عنهم أو تتجاهلهم ستجدهم يتسللون إلى صباحك النديّ يتجاهلون اشراقته وشقشقة عصافيره وروحانيته المحمّلة بدعاء الأُمهات وتهليل الآباء، وابتسامات الأطفال التي تخلق فراشات التفاؤل والفرح. لديهم قدرة عجيبة على تتبع الكوارث في العالم، فإن هربت عنهم وتعللت بأنك لديك عمل مهم، فإنهم سيلاحقونك (بالموجز الكوارثي) عبر (الإيميل أو الواتس اب) عبر صورة لمسن يتلقّى الإهانات، أو مقطع مصوّر لأُمٍ ثكلى، أو صورة لطفل مطمور جسده تحت أنقاض مبنى، تتساءل عن (الذنب) الذي اقترفته ليُصر هؤلاء على معاقبتك، فتجد أنك لا علاقة لك بكل هذه الكوارث، وأنك لا تستحق كل هذا الإرهاب النفسي المهول، والمشكلة أن كل هذه الممارسات تأتي متسللة تحت غطاء الوعظ، فنحن في مجتمع تشكّل في لاوعيه أن الوعظ مرتبط بالترهيب (التخويف)، فنحن لم يسبق لنا أن (احتسب) واعظ يوماً وذكّرنا بأن (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، بل إننا نستقبل يومياً التنبيهات المتجهمة، أو تلك الداعية للتجهم، وتأتي تلك التنبيهات تحت مبررات كثيرة، فنحن نبحث عن مبرر للحزن والإحباط، ونتجاهل في كثير من الأحيان الفرح الذي لا يحتاج لمبرر، فيما مبررات الإحباط كثيرة ولا تحتاج جهد لسردها، وتأتي على صيغة استفهامات تكاد أن تتموسق على مقام الصِبا كي تحقن صباحك بجرعة تفوق مرارة اليُتم: (ألا ترى كيف يُقتل المسلمون بالعالم؟ ألا تحزنك صرخة الماجدات ولا معتصم يسمع؟ ألا تؤثر بك مشاهد أشلاء الأطفال ولحومهم تُهرس بلا رحمة أو إنسانية؟).


في الوقت الذي تتساءل فيه هل سيحاسبني ربي يوم القيامة عن هذه الكوارث لأنني فقط عشت في نفس الفترة؟ وما المطلوب مني وأنا الإنسان البسيط ولستُ «معتصماً» يُطلب مني إغاثة منكوب؟


هؤلاء المحبطون هم إما أُناس نشؤوا على النظر للجزء المُظلم من الصورة، وحُقنوا بجرعات هائلة من التوجس المُطلق، ويحلمون بواقع مثالي خيالي، وبعالم خال من الظلم، وهؤلاء ليسوا بأكثر من علاج نفسي ليعيشوا الحياة كما هي لا كما يأملون، أو –وهذا القسم الآخر من المحبطين- أُناس أقل براءة ومثالية من القسم الأول، إذ إنهم تعمدوا نشر الإحباط في المجتمع كي يخلقوا مجتمعا مهزوما ومنكسرا يشعر بالهزيمة والدونية، فالإنسان عندما يصل لهذه المرحلة فإنه يكون هشّاً يسهل السيطرة عليه وتوجيهه تحت شعارات نصرة المظلوم وإغاثة المنكوب، ولو تتبعنا سيرة أي ممن شاركوا بأعمال إرهابية أو انطووا تحت مظلة الحركات الجهادية مثلا، لوجدنا أنهم تشبعوا قبل انخراطهم بشعور العجز والهزيمة حتى وصلوا لقناعة أن الحياة تافهة وغير مغرية إذا كانت مليئة بالظلم والقهر الذي يحصل للإنسان في أماكن بعيدة، لتتم بعد ذلك عملية البرمجة النهائية عندما يتم بناء قناعة جديدة بعد أن تم هدم الأمل بداخله، حيث يُضخ به شعور جديد يبعث بداخله النشوة المُطلقة، يتمثل ذلك بأنه قادر على (التغيير) وإن بداخله طاقة هائلة قادرة على نسف كل ظلم العالم، ولا أدري هل رواج كلمة «تغيير» التي انتشرت في العالم العربي هي مقتبسة من حملة الرئيس الأمريكي أوباما أم أتت بعدها، لكن بكل الحالتين لا أستبعد وجود «توارد خواطر» بين الشعارين، رغم أنني أستبعد البراءة المُطلقة!


ويبقى المحبطون محبين «للتاريخ»، كارهين أو على الأقل غير متصالحين مع «الجغرافيا»، أما في الأدب فلا أعظم بذائقتهم من قول المتنبي: (عيدٌ بأية حال عدت يا عيد)، ثم تتحول الذائقة في المرحلة التالية إلى أبي فراس الحمداني لتردد معه (إذ متُ ظمأنا فلا نزل القطر)!


«قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: 58).