في الرواية والتاريخ

التاريخ، كـ»علم» أو فن في الثقافات التي مارسته، ظهر أصلا كرواية موضوعها الخبر

التاريخ، كـ»علم» أو فن في الثقافات التي مارسته، ظهر أصلا كرواية موضوعها الخبر

الخميس - 20 مارس 2014

Thu - 20 Mar 2014



التاريخ، كـ»علم» أو فن في الثقافات التي مارسته، ظهر أصلا كرواية موضوعها الخبر.

والخبر في التاريخ العربي الإسلامي مثلا صنفان: صنف لا ينفع معه إلا القول مع ابن كثير «فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم»؛ والصنف الثاني هو القائم بالتواتر أو بالشهادة والوثيقة، ومنهج الكتابة فيه قبل ابن خلدون والمقريزي، تمثل في المنهج السائد في علم الحديث، أي الرواية المشروطة بمبدأ التعديل والتجريح لتمييز صحيح الروايات من منحولها وفاسدها، وتمكين الإسناد، الذي هو «خصيصة هذه الأمة»، من الاعتمال والاتصال.

غير أن مجمل الروايات المقبولة بالتصديق الإيماني أو تلك التي يعوزها الإسناد أو تلمع باستحالتها وتخرق العادة والتقبل العقلي، كقصة بناء مدينة إرم وسط اليمن بأمر شداد بن عاد، وقصة بناء الإسكندرية من طرف ذي القرنين الإسكندر المقدوني، وقصة تمثال الزرزور، وقصة سجلماسة «مدينة النحاس»، وغيرها مما تناقله مؤرخونا القدامى، بمن فيهم إمامهم المسعودي، كل تلك الروايات المروية إضافة إلى ما هو معروف من قصص السير والملاحم وألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وغير ذلك، للروائي اليوم أن يتمثل أقواها معنى وأجملها مبنى، واضعا إياها في سجل الإرهاصات والتلمسات الروائية قبل بروز مفهوم الروائي الكاتب ورسوخ الرواية كمشروع قصدي وكجنس واع بذاته وهويته، منتج لعمله وأساليبه وشكوله.

إن ما زاد في توثيق الصلات بين الرواية والتاريخ يكمن في الثورة المعرفية التي أحدثتها مدرسة الحوليات الفرنسية منذ 1929 وخصوصا غداة الحرب الكونية الثانية.

وكان من إيجابياتها أن جعلت علم التاريخ قادرا ليس على تحسين فهمه للماضي فحسب، وإنما أيضا على الإسهام في إدراك الحاضر وتوفير شروط التأثير فيه؛ كما أنه في هذا كله نزع إلى تسخير طاقات المعرفة، بما فيها إعمال التخييل، أي الحدوس والفرضيات، وذلك بغية إنشاء موضوعات تاريخية حول إشكالات مشوقة نافعة، بقدر ما هي دقيقة محددة.