موظفو المسيار

بدأ في الجيل الجديد حس اجتماعي يميل إلى النقد بطرق تختلف عن المصارحة والمكاشفة المعهودة، وسلك سبيلا يوصل الفكرة المقصودة بلغة موحية تحمل الكثير من الرمزية المعبرة والنكتة التي تضحك لعمق معناها وحضور بديهة قائلها.

يحدث المجتمع في عاداته وظروف حياته ما يرتحله إلى غرضه الذي يريد قوله دون أن يوقع نفسه بالحرج.

فمثلا نعرف أن زواج المسيار هو اختراع سعودي مئة بالمئة، وهو علاقة سريعة بين طرفين يحتاجان إليها لإشباع رغبة كامنة في نفسيهما، ويضفيان على هذه العلاقة الموقتة مسحة القبول بنسبتها لما حقيقته الاستمرار والدوام، يعطيانه من الزواج مسماه على الرغم من أنه يخالف حقيقته ومعناه.

ولن يكون هذا المقال عن زواج المسيار، لكن عن موظفي المسيار، وليست هذه الكلمة من اختراعي، بل هي من اطلاعي، فقد لقيني رجل من إحدى مناطق المملكة في الرياض وسألته عن أسباب قدومه من منطقته، وأنا أعرف أنه لا يفارقها إلا مكرها، فقال: أتيت لإنهاء بعض معاملات تتعلق بأمور تخصني في منطقتي.

سألته: لماذا احتجت إلى القدوم إلى هنا؟ ألا يوجد مسؤولون مكلفون في منطقتكم بخدمتك أنت وأمثالك حتى لا تقطع المسافات وتتحمل التكاليف التي قد لا يستطيعها كل من له حاجة مثلك؟ فرد بقوله: نحن منطقة بعيدة، والتنفيذيون فيها يأتون من المدن الكبيرة التي عاشوا فيها وألفوها، ولا تطيب لهم الحياة إلا في مدنهم التي قدموا منها..ألم تسمع بزواج المسيار؟ قلت: بلى قد سمعت به.

قال: التنفيذيون في المناطق والأطراف الذين يندبون إليها من المركز يتعاملون مع وظائفهم في المناطق التي كلفوا بالعمل فيها بمفهوم المسيار، وأكثرهم لا يصبرون على البقاء طويلا عندنا.

منهم من يحضر يوما في الأسبوع أو يومين.

ومنهم من نراه في الشهر مرة أو في الشهرين..كل على حسب مرتبته ودلاله على رؤسائه في العاصمة.

وهم يتعاملون مع مناصبهم في المناطق البعيدة معاملة زواج المسيار، يريدون إيجابياته ولا يتحملون واجباته، فإذا ذهبوا بقي من بدوائرهم من صغار الموظفين ينتظرون عودتهم، مما يضطر من يريد إنجاز حاجته إلى الرحيل وراءهم وإنهاء ما يريد من المرجع الأعلى.

هذه حال قد لا تكون عامة إلا أنها بالتأكيد موجودة، وبالتأكيد تحتاج إلى معالجة ومناقشة، فمناطق المملكة الواسعة، والانتشار السكاني الكبير، وتعدد الحاجة إلى إدارة مستقرة، لا تحتاج موظفي المسيار، إنما تحتاج نخبة من أهل المنطقة الذين يرتبطون بها وجدانيا ويعيشون فيها وهم أولى من يتولى شؤونها لمعرفتهم بأحوال منطقتهم وقدرتهم على فهم ما تحتاجه، ولا سيما أننا نمر بمرحلة تنمية شاملة لكل مناطق المملكة، تحتاج إلى كفاءات وخبرات تسرع حركة التنمية المحلية، وتعيش هم الإنجاز لما يعود على المملكة عامة والمناطق خاصة بالنفع والفائدة، ولا توجد ندرة في الكفاءات من أهل كل منطقة..الذين يستطيعون القيام بالواجب نحو بلدهم وهم الأولى بخدمته والأقدر عليها.

[email protected]