“آفةُ الأخبار رواتُها”
من الناس من يجتزئ الكلام قولاً أو كتابة فيخرجه عن سياقه بقصد أو دون قصد. ولقد كنت عرضةً في أسبوع واحد لثلاثة مواقف من هذا النوع.
الموقف الأول:
تصريح نُسب إلى معالي وزير التنمية المحلية والإدارية
من الناس من يجتزئ الكلام قولاً أو كتابة فيخرجه عن سياقه بقصد أو دون قصد. ولقد كنت عرضةً في أسبوع واحد لثلاثة مواقف من هذا النوع.
الموقف الأول:
تصريح نُسب إلى معالي وزير التنمية المحلية والإدارية
الاثنين - 17 مارس 2014
Mon - 17 Mar 2014
من الناس من يجتزئ الكلام قولاً أو كتابة فيخرجه عن سياقه بقصد أو دون قصد. ولقد كنت عرضةً في أسبوع واحد لثلاثة مواقف من هذا النوع.
الموقف الأول:
تصريح نُسب إلى معالي وزير التنمية المحلية والإدارية في مصر العزيزة اللواء عادل لبيب، مفاده أنني منحتُ مصر نصف مليار دولار. فمن أنا؟! وما هي صفتي؟! هل أنا دولة؟! أو: هل أنا فاعل خير كبير برتبة “أهبل”؟!
ولإزالة علامات التعجب والاستفهام هذه سأتناول هذا الموقف لاحقاً بشيء من الإيضاح.
الموقف الثاني:
ما أصاب حديثي من تجزئةٍ واقتطاف خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته توطئةً لمنتدى جدة الاقتصادي والذي سيبدأ بحول الله تعالى في الثامن عشر وحتى العشرين من شهر مارس الحالي ويتناول موضوع “الإنماء من خلال الشباب”، وسيعالج بشكل أساسي البطالة.
ولقد تناولت وسائل الإعلام حديثي في هذا المؤتمر من زوايا مختلفة. كل مندوب على حجم استيعابه أو زمن حضوره أو انصرافه، بحيث اكتفى كل واحد منهم - جزاهم الله خيرا- بجزءٍ رأى أنه مهم أو اهتم به من وجهة نظره، دون أن ينقل وجهة نظري كاملة، والتي غايتها وهدفها الحقيقي “عدم إلقاء اللوم على الشباب في مشكلة البطالة”. بل إنني أوضحت أنهم ضحية لأطراف أربعة، وهم من سأفصلهم طرفاً طرفاً في وقت لاحق بعون الله، بشكل يؤكد عدم جواز أن يقرأ أحد على الناس جزءًا من آية “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ...” ثم لا يكمل الآية: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ” حتى ولو نسخت.
الموقف الثالث:
أُثير في نهاية ذلك المؤتمر الصحفي، وكان الأمر يتعلق بأسواق المال والأسهم والمضاربات التي تحصل فيها والتي شبهتها بالقمار. وقد تناول هذا الجزء بعض الإخوة الكتاب جزاهم الله خيراً من نواح مختلفة نتيجة للنقل المبتور، كلٌّ بحسب ما قرأ أو سمع، ومنهم الإخوة الأعزاء صديقي الأستاذ عابد خزندار، والدكتور مازن بليلة، والأخ راشد الفوزان.
ولإزالة اللبس والغموض سأتعرض لاحقاً لهذا الأمر في محاولة جادة لرفض مبدأ “لا تقربوا الصلاة...” دون إكمال الآية، وهي مسألة تستحق الوقوف عندها لأنها تدخل في صلب الدين الإسلامي الحنيف الذي يؤكد أن السمع والبصر و”الفوائد” مسؤولون.. والذي يحذر من النبأ الفاسق ويحضُّ على التبيّن، والرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع” وكأنها دعوة أريد بها التأكد مما تسمع تجنباً للوقوع في الآثام، والحكمة تقضي أن تصدق نصف ما ترى ولا تصدق جل ما تسمع.
فالهدف الأساس في هذا المبدأ هو التأكد التام من المصدر الحقيقي للكلمة أو المسألة خوفاً من الحذف أو الإضافة اللتين قد تخرجان الأمر عن سياقه، وقد لا تحتمل المساحةُ المقررةُ لي في هذا الأسبوع أن أتعرض بالشرح والتفصيل للمواقف الثلاثة معاً.
ولذا سأستعرض معكم الموقف الأول؛ فهو على الأقل يتحدث عن منحة قدمتها لمصر بقيمة نصف مليار دولار، ولنبدأ معاً بالوقوف على حقيقة الموضوع.
والذي قتله وضوحاً رئيس وزراء مصر، دولة المهندس إبراهيم محلب إثر زيارتي له صباح الاثنين الماضي العاشر من شهر مارس، والذي تناولته وسائل الإعلام المصرية في حينه معنونةً اللقاء الذي تم مع رئيس الوزراء واثنين من وزرائه على أنه لقاء مصري مع رئيس الغرف الإسلامية للتجارة والصناعة ورئيس المجلس الأعلى للبنوك الإسلامية ورئيس الغرف التجارية بجدة.. وليس بصفتي “صالح كامل” رجل الأعمال السعودي.
أعود إلى التصريح الذي نسب إلى معالي وزير التنمية المحلية والإدارية في جمهورية مصر الحبيبة وهو أني منحت مصر نصف مليار دولار.. وكان أول من سألني عن حقيقة الأمر ولدي عبدالله. فسألته: هل أنا طلبت منكم هذا المبلغ؟!، وما قد لا يعرفه البعض أنني أعتبر أولادي شركائي الحقيقيين في كل شيء، فهم رأس مالي الحقيقي الذي أحمد الله عليه ليلاً ونهاراً. والحقيقة أنني لا أسمح لنفسي أن أختزل أولادي في شخصي، وأن أمارس وحدي كل شيء على مدار العمر مهما طال، بل منحتهم بفضل الله صلاحيات سمحت بها لنفسي أن أعود إليهم فيها، وخاصة ولدي عبدالله في الكبار ورفيقي الأول يرعاهم الله جميعا. وصدق الله العظيم “المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا وَخَيْر أَمَلًا”، ورددت على ولدي قائلاً: يا عبدالله أنا لست دولة، هذا رقم واحد، رقم اثنين: من مِنْ شركائي سيثق بي -إن أنا فعلت ذلك- في إدارة أموالهم وسيعتقدون أنني “اتهبلت” أو صرت درويشاً، مع احترامي لكل الدراويش. وحتى من يحسن الظن بي منهم ويظن أنه عمل خير أو زكاة فالكل يعلم أن الزكاة تفرض حيث تجمع وأنا بفضل الله أعمل في ثلاث وأربعين دولة إسلامية ولا بد أن أخرج الزكاة في كل بلد تجمع فيه، ولا يجوز نقلها إلى مصر أو غيرها.
وأنت تعرف يا ولدي أنني إن شاء الله مستثمر حصيف. ولا يهمني أن يقال عني “المحسن الكبير” فهناك توجيه إلهي في هذا الأمر، قال تعالى: “إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (البقرة: 271)
والحمد لله لم يعرف عني حب بمباهاةٍ طالما أقصد بعملي وجه الله، وليس لأحصل على ثناء الناس. لأن الحديث الأول في البخاري حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه...”.
ومع شعوري بأن المساحة المتاحة توشك أن تضيق أرجو من قارئي الصديق العذر إذا لم أستطع إكمال الحديث عن الموقف الأول، ولكني أقول باختصار شديد وهو “المصفق” أي المكان الذي تعقد فيه الصفقات بأساليب عصرية تختصر الوقت وتنجز بعون الله الأهداف، وهذه الفكرة تحتاج إلى مقالات عدة أسال الله أن يمنحني الصحة والوقت لشرحها، وقد طلب مني بعض الإخوة المصريين الذين يعلمون مقدار محبتي لمصر وبعد أحداث الثلاثين من يونيو، أن أجعل لمصر نصيبا في تطبيق وإطلاق نسخة مصرية من “المصفق” حيث إنها ستحل مشكلة البطالة بشكل كبير إلى جانب منافع أخرى.. ولي فترة في اجتماعات مع عدد من رجال الأعمال والمال إلى جانب الاجتماعات مع مسؤولين مصريين من ذوي العلاقة، ومنهم وزراء كان من ضمنهم معالي الأخ العزيز عادل لبيب الذي أخبرته أن رأس المال “نسخة المصفق المصرية”.. (لاحظوا رأس المال وليس منحة) ثلاثة مليارات ونصف المليار جنيه، وهو المبلغ الذي يعادل نصف مليار دولار، وهنا علق ولدي الحبيب عبدالله: فعلاً آفةُ الأخبار رواتُها.
أرجو الله أن ألتقي بكم في الأعداد المقبلة لمواصلة الحديث عن الموقفين الثاني والثالث.. وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى.