الخوارج أول الملحدين في الإسلام
الإلحاد في الدين والنبوة ظاهرة تأتي وتختفي في المسلمين من وقت لآخر
الإلحاد في الدين والنبوة ظاهرة تأتي وتختفي في المسلمين من وقت لآخر
الأحد - 16 مارس 2014
Sun - 16 Mar 2014
الإلحاد في الدين والنبوة ظاهرة تأتي وتختفي في المسلمين من وقت لآخر.
وهي حالة ليست غريبة ولا تعتبر مقلقة لأن الإلحاد في أعظم حقائقه وهم نفسي أكثر منه قضية فكرية ينتهي في وقت لاحق.
ولكن القلق يأتي من الإلحاد في نوعية الملحدين، وهو ما لم يتنبه إليه إلا القليل من الراصدين لهذا الأمر.
أغلب الملحدين في المجتمع الإسلامي على قلتهم المتنامية ليسوا من مدمني المخدرات، ولا هم من دعاة الانفتاح، ولا هم من دعاة تحرير المرأة، وإن كان لا يمنع من ظهور أصوات إلحادية من هؤلاء وغيرهم.
لكن الظاهرة الغريبة أن الملحدين في أغلب الأحيان يأتون إما من غلاة التدين وأصحاب العقيرة المرفوعة بتكفير المسلمين وسوء الظن بهم، أو يأتون بسبب ممارسات هؤلاء المنفرة عن الدين الباعث للإلحاد.
والذين أعلنوا إلحادهم صريحا في عالمنا العربي أغلبهم جاء من خلفيات غالية متشددة.
ولقد أطل الإلحاد برأسه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم باسم الدين وهو أول ملامح الإلحاد في أشكاله البدائية غير المفلسفة وفي ضرب النبوة تحديدا.
كان ذلك حين جاء ذو الخويصرة التميمي إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما والحديث في الصحيحين فقال: اعدل، قال ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ خبت وخسرت إذا لم أعدل.
فأراد عمر رضي الله عنه قتله وفي رواية لمسلم أنه خالد رضي الله عنه.
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله وقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .....).وهنا وقفة مهمة:
أولا- قول هذا الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم: اعدل، هو كفر صريح في ميزان الشريعة.
حيث اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجور وقدح في عدالته.
ثانيا- أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أطلعه الله تعلى على مكنونات القلوب فإنه لا يجعلها مقياسا في التعامل مع الناس، لأن للظاهر أحكام الشريعة وللباطن أحكام الحقيقة.
فيعاملهم عليه الصلاة والسلام كمعصومي الدماء بالشهادتين أو بالذمة أو بالمعاهدة.
فأجرى حكم الإسلام الظاهر على هذا الرجل ومنع قتله، ونهى عن التفتيش في السرائر لا سيما في إجراء الأحكام مع العلم بأنه مطلع من الله على سرائر كثير من المنافقين والمتربصين.
ثالثا- إخباره عليه الصلاة والسلام بأن هذا الرجل مصدر من مصادر المروق حيث سيأتي من يعقبه على هذا النهج.
ولما قام مسيلمة الكذاب بحركته الارتدادية على الإسلام لم يعلن إنكار الربوبية ولا نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أوهم أتباعه أنه أرسل مع محمد.
فادعى النبوة كي تكون حركته ذات شرعية دينية، ورضي أتباعه بهذه الدعوى على علم منهم بكذبه.
حتى الذين منعوا الزكاة لم يكونوا جاحدين لها ولا للدين، وإنما استكثروا على أبي بكر أخذ الزكاة منهم وشرعنوا فعلهم بأنه لا أحد يحق له أخذها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا تأملت في هذه الظواهر التي أبدت برأسها في عهد النبوة وفي صدر الخلافة وجدت بأنها حركات خارجية قبل أن تكون ارتدادية.
والخروج حركة ممتزجة من العقيدة والسياسة، أي أن عقيدة الخروج هي تطلع نحو رفض الولاية القائمة، والبحث عن ولاية جديدة تتفق مع عقيدة الخارج.
إلا أن عقيدة خوارج السياسة المشرعنة كمسيلمة وغيره، أضعف من عقيدة الشريعة المسيسة.
ففرقة الخوارج المعروفة في التاريخ ومن ينسب إليها فعلا وإن تنكر لها أو أنكرها قولا، هي أكثر إيمانا بما تعتقد وأشد تمسكا واستمرارا، ومروقهم يأتي على شكل التمسك بالدين والغلو فيه.
وفي عهد سيدنا علي كرم الله وجهه ظهروا كطائفة ممتنعة بسبب قصة التحكيم وأظهروا نوعا جديدا من الإلحاد وهو لعن الصحابة ومن معهم ثم القيام بالسيف على الأمة استحلالا لدمائهم بكفرهم واعتبار نسائهم سبايا وأموالهم غنائم.
وفعلهم هذا كفر على حسب قواعد أهل السنة فمن كفر عليا رضي الله عنه وأهل بدر ورأى دماءهم حلالا فهو أحق بالكفر لأنه مستحل ما حرم الله مكذب لله ورسوله في إيمان أهل بدر والهجرة والسمرة والمبشرين إيمانا لا ينتقض.
أما قول سيدنا علي بأنهم إخواننا بغوا علينا وقوله من الكفر فروا فلعل ذلك في البداية إن صحت مثل هذه الروايات، لأن سيدنا عليا رضي الله عنه كان أعلم الناس بحقيقة المروق من الدين، ولم يكن يصرح بقتلهم لأنهم كانوا على جهل وكانوا يصلون، ولكن بعد أن أقام عليهم الحجة وأرسل إليهم من يناظرهم لم يبق شك في مروق من لم يرجع منهم وأصر على التكفير والقتل والمروق.
ولكي يتحقق الباحث من إلحاد هذا الفكر عليه أن يبحث عن تفصيلات أقوالهم ومذاهبهم.
فنجدهم على سبيل المثال قد ألحدوا في النبوة والأنبياء، وهم أول من أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة بجواز كفر النبي بعد نبوته، وجواز كفره قبل بعثته، وجوز الكبائر والصغائر عليهم، وإذا كانت المعاصي في مذهبه كفرا فالأنبياء على أساس ذلك يكفرون بمجرد فعلها الذي جوزه عليهم فأي ردة وإلحاد أكبر من ذلك؟ وبعض من ينسب إلى علماء السنة من الغلاة في تكفير المسلمين قال بهذا القول.
وقال رأس اليزيدية يزيد بن أنيسة بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان برسول جديد من العجم ينزل عليه الكتاب، وسيكون أصحابه الصابئين الذين ذكرهم القرآن الكريم.
وهم أول من قال بتحريف القرآن في هذه الأمة ويحتاج الكلام في ذلك إلى وقفة مستقلة.
ورأينا نابتة الخوارج تكفر المسلمين على أفعال صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ووردت فيها الروايات المسندة والأقوال، وبرغم ذلك يصر هؤلاء على تكفير من فعلها، وهذا إلحاد وكفر بالرسالة والرسول كبرا وعلوا وجهلا.
هناك خوارج بأشكال أخرى تتجاوز قضية الخروج على ولاة الأمر والتكفير بالذنوب، لأن المذاهب تتغير وتتجدد وتتخذ معالم جديدة أثناء الحركة الفكرية في التاريخ وتنقض بعض أصولها وتأتي بأصول جديدة وهكذا.
فالذين يكفرون المسلمين على المسائل الخلافية وعلى المسائل الظنية وعلى العقائد المستندة إلى أصول صحيحة هم خوارج أو أذناب الخوارج ومحسوبون عليهم شاؤوا أم أبوا.
وللأهمية يجب أن نعلم أن مذهب الخوارج تفرع كثيرا وتوسعت فيه الآراء وانقسمت، إذ الخوارج مشهورون بسرعة الانقسام والتشظي وتكفير بعضهم على أدنى خلاف.
كما أن الخوارج من هذا النوع بات يرفع شعار أهل السنة ويسعى لاختطافه في كل مناسبة، ولكن الأحداث تفضحهم والأيام تكشف عن كوامن عقائدهم من وقت لآخر، (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم).