سياسة إعادة التوطين

الأربعاء - 31 أغسطس 2016

Wed - 31 Aug 2016

عالمنا العربي شهد عددا من الأحداث والتطورات المختلفة التي حصلت وتحصل فيه منذ عام 2010 وحتى الآن، مما كان له أكبر الأثر على منطقة الشرق الأوسط. عدد من ثورات الربيع العربي حدث وكان من بعض نتائجها الإطاحة بحكم مبارك وسقوط نظام القذافي، بالإضافة للوضع غير المستقر في كل من العراق وسوريا وإيران.



هذه أمثلة لبعض الأحداث الجارية على الساحة السياسية والتي لا تخلو أن تكون موضوع الساعة في منطقتنا العربية. هذه التطورات في الوضع السياسي الراهن إذا استطعنا تحديد الأبرز من بينها فسيكون ظهور جماعة داعش ووجودها في العراق وسوريا.



ظهور ما يسمى بداعش لم يؤثر فقط على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والدول التي يوجد بها، بل امتد أثره لتهديد الأمن والاستقرار الداخليين لجميع الأطراف المتعاونة في محاربته في العالم كافة. المتابع للشأن السياسي منذ عام 2008 وحتى الآن سيجد أن روسيا لم تدخر أي جهد خلال هذه الفترة لإظهار قوتها أمام دول الجوار كأوكرانيا وجورجيا، وأيضا لم تترك أي حدث سياسي إلا وأظهرت نفسها كدولة ذات ثقل سياسي واستراتيجي لا يستهان به في المنطقة ولا بد من الاستعانة به.



الآن هو وقت استعراض القوى لعدد من الأطراف السياسية في مواجهة هذا التطرف. دخلت روسيا في صراعات منطقة الشرق الأوسط عن طريق دورها الداعم للنظام السوري في حربه الشرسة لقمع شعبه. أيضا، إيران كان لها دور رئيسي لا يستهان به في الحرب.



سواء كانت تحركاتها لتحقيق مصالح خاصة في المجال النووي، أو من خلال عقد اتفاقيات مضللة لتقوية وتدعيم مكاسبها في بغداد وخارجها، فالحكومة الإيرانية لم تدخر أي وسيلة في سبيل تحقيق مكاسب لها على مختلف الأصعدة.



الجدير بالذكر أن داعش تمركز بشكل مكثف في المناطق السنية في العراق وسوريا. واستطاع البقاء وبناء مجتمع له في قلب العالم العربي، بالإضافة لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، والتحدث بشكل أكثر تحديدا باسم العالم السني، بينما نجد أن الغالبية العظمى من أولئك الذين يفرون من سوريا والعراق هم من المسلمين السنة. السؤال الأبرز هنا: من الذي يقود العمليات العسكرية داخل العراق لتحرير الأراضي المحتلة من قبل داعش؟ ومن الذي أخذ مكان العلماء السنة الذين فروا وتركوا أرضهم؟



من بين الكثير من الميليشيات المتورطة في العمليات العسكرية في العراق يعد الأبرز منها منظمة بدر، والحشد الشعبي، وعصائب أهل الحق الذين يتواجدون في تكريت والرمادي والفلوجة. انضم لهم عدد من الميليشيات مثل لواء أبي الفضل العباس وكتائب حزب الله وفرقة الفاطميين (وهم المتطوعون الأفغان والإيرانيون)، بالإضافة لنادي حركة النجباء.



وهؤلاء جميعا اتحدوا لمحاربة نفس الخصم. اللافت للانتباه، لأنه يعد من المصادفات العجيبة، أن هذه الجماعات جميعها تشترك في شيء واحد، ألا وهو أن اللواء قاسم سليماني من الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس هو المشرف العام على العمليات العسكرية لها. سليماني هو قائد عسكري ويعمل على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي لتحقيق مساعي إيران في المنطقة، والمتمثلة بمكافحة النفوذ الغربي وتعزيز توسع النفوذ الشيعي والإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط.



من ناحية نجد أن سليماني متواجد في العراق كقائد فيلق القدس، ويعتقد بتأثيره الكبير على التنظيمات التابعة للحكومة العراقية، ولا سيما دعم انتخاب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ومن ناحية أخرى تكتمل الصدفة العجيبة بأن تقاتل هذه الميليشيات أيضا في كل من سوريا والعراق.



فيلق القدس هو المنظمة المسؤولة عن دعم جميع الميليشيات المتواجدة هناك، وذلك بتوفير الإشراف والمساعدة المباشرة في كلا البلدين. في بادئ الأمر كانت مدينة أمرلي العراقية التي بدأ سليماني العمل فيها مع القوات العراقية لإبعاد داعش، وقد أثبت وجوده على أراضيها مما كان له دور أساسي في التخطيط لعملية استرجاع مدينة أمرلي التابعة لمحافظة صلاح الدين من احتلال داعش لها وفرض حصار عليها لأهميتها. صحيفة لوس أنجلوس تايمز التي ذكرت أن أمرلي كانت أول مدينة تقاوم وتنتصر خلال غزو داعش وفرض سيطرته عليها، صرحت بأنه تم استرجاعها والفضل «شراكة غير عادية من الجنود العراقيين، الأكراد والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والطائرات المقاتلة الأمريكية».



الولايات المتحدة تصرفت باعتبارها قوة مضاعفة وداعمة لعدد من الميليشيات التابعة لإيران، وفي نفس الوقت كانت تتواجد في ساحة المعركة بصفتها المستقلة. العملية الأولى ضد داعش كان يفترض أن تمنح الموافقة من بغداد بعد اعتمادها، قاد هذه العملية سليماني والميليشيات الشيعية التي ترعاها طهران. الواقع يظهر أن عناصر فيلق القدس التي تعمل تحت قيادة سليماني ليس فقط متورطة بمساعدة الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، ولكن أيضا الأحزاب الكردية في معركة أمرلي. هذا التعاون يتجاوز تبادل المعلومات الاستخباراتية ليشمل توريد الأسلحة والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى «توفير الخبرة».



السؤال المهم: لماذا تشارك الميليشيات «العراقية» في الحرب الدائرة في سوريا؟ هل تحرير العراق من سلطة داعش هو الذي سيعيد الاستقرار لحلب أو القصير؟ والأهم من ذلك، إذا كانت الغالبية العظمى في المناطق التي استولى عليها داعش يسكنها السنة والسكان في هذه المناطق يفرون لمعاناتهم من الجحيم والوضع غير الإنساني هناك، إذن من الذين تتم إعادة توطينهم في هذه المناطق «المحررة حديثا»؟ الاختبار الحقيقي لأي عملية ليس كيف تبدأ، بل كيف تحقق إنجازاتها على الأرض؟ وما الإنجازات المتحققة؟ ومن المستفيد الحقيقي منها؟



أخيرا، يبدو أن سياسة إعادة التوطين في مناطق النزاع هذه مسؤولية إيران والمتحققة عن طريق سليماني والحرس الثوري وفيلق القدس وجميع من قاتلوا إلى جانبهم في كل من سوريا والعراق. هذه السياسة تتم فيها «بلورة» طموحات طهران لتمتد من هرات إلى بيروت.