كيف تزيد من قدرتك على الوعي؟

حديث مع الإنسان الذي يعيش في هذا العالم المزيج ينهل من خيراته وفي الوقت نفسه يصيبه من صخبه وضجيجه. الأمر الذي قد يدرك فيه الإنسان أو لا يدرك أنه بقدر ما يكون هو الفاعل المتحرك، إلا أنه هو الضحية في الوقت نفسه!

حديث مع الإنسان الذي يعيش في هذا العالم المزيج ينهل من خيراته وفي الوقت نفسه يصيبه من صخبه وضجيجه. الأمر الذي قد يدرك فيه الإنسان أو لا يدرك أنه بقدر ما يكون هو الفاعل المتحرك، إلا أنه هو الضحية في الوقت نفسه!

الخميس - 25 ديسمبر 2014

Thu - 25 Dec 2014



حديث مع الإنسان الذي يعيش في هذا العالم المزيج ينهل من خيراته وفي الوقت نفسه يصيبه من صخبه وضجيجه. الأمر الذي قد يدرك فيه الإنسان أو لا يدرك أنه بقدر ما يكون هو الفاعل المتحرك، إلا أنه هو الضحية في الوقت نفسه! حين يضيق عليه جوهره الإنساني المتمثل في (الحرية والاختيار) وعند ذلك تتقلص (صحته وسعادته) فيما هو يريد أن يتمدد مع طموحه وآماله.

ولكن سرعان ما يتلحف طموحاته على سرير مرضه وآلامه. فما الذي حدث؟ هل كان نقصاً معلوماتياً يمكن سده، أو دراية في آليات العمل والإنجاز يمكن تطويرها؟ أم إن الأمر كان يتطلب ما هو أكبر من مجرد المعلومة والآلية!

إنه الوعي الذي يأخذ الإنسان إلى حقيقته التي تعطيه ولا تستهلكه. لينطلق السؤال كما هو عنوان هذا المقال (كيف تزيد من قدرتك على الوعي؟) إن ثمة قواعد تلهمنا الجواب على هذا السؤال وهي مما فهمته وجربته في حياتي وأقدمه للآخرين عبر دورات تدريبية، إذ تقول القاعدة الأولى (تعرف على القيمة الروحية العُليا لديك) فمهما تعددت قيمك الروحية والفكرية والاجتماعية وغيرها، إلا أن قيمة روحية واحدة تكون هي الأعلى في حياتك ولها تأثيرها على أفكارك وسلوكك.

وعندما تكتشف هذه القيمة الروحية العُليا فسوف تجيب هي عن أسئلتك الكبيرة في حياتك الشخصية وفي الحياة العامة. والقيم الروحية العُليا التي ترجع إليها كل القيم هي (الحب والجمال والسلام) ولك أن تسأل نفسك الآن: ماذا تعني لي هذه القيم؟ وهل أنا أشعر فيها في سلوكي الشخصي والمجتمعي والوظيفي؟ أم إنني لا أشعر فيها؟ وإذا كان الجواب (لا) فهل توجد لدي مشاعر مناقضة تأخذني إلى التفكير والسلوك السلبيين. فهذا يعني أننا لا نحب بما يكفي ولا نرى الجمال ولا السلام بما يكفي. وإلا فهذه القيم العُليا الثلاثة قادرة على تغييرنا تغييراً كلياً.

أما القاعدة الثانية فهي (حسّن جودتك الذاتية باستمرار) فكل شيء يتجدد، وكل شيء داخل في ديمومة الخلق الإلهي الدائم ولا ينفك عنه لحظة بما في ذلك أنت، وإنما الفارق في الشعور. وحينما نشعر أننا في تغير دائم، وإنما الخيار هو في (التقدم أو التأخر) تتضح لنا مسؤوليتنا عن ذواتنا في استمرارية تحسين جودتنا لنتقدم دائماً كما هي حكمة الخلق كله، أي إننا ندخل في ديمومة الخلق العظيم (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، أما القاعدة الثالثة فهي (عدد ونوع مصادر حكمتك) إنها حكمتك وليست فقط مجرد معلوماتك! إذ إن المعلومات قد تكون جيدة أو غير جيدة، وقد تكون محدّثة أو متقادمة، وقد تكون غير صحيحة وغالطه.

وينتج عن كل احتمالاتها أفكار وسلوكيات! وإنما الشأن في مصادر حكمتك الداخلية التي تُلهمك من العلوم والصور والأحداث والمواقف، دون الارتهان إلى عصر بعينه (فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها أخذها) وحين تتعدد مصادر حكمتك تزداد ملهماتك، وعند ذلك يتشكل لك وعي عميق في تحولات حياتك يجعلك على بصيرة من أمرك في اللحظة وتستشرف حياة أكثر جمالاً وتألقاً.

وتأتي بعد ذلك القاعدة الرابعة (راقب ولا تحكم) وهي قاعدة ذهبية تضبط كل القواعد. ذلك أن أكثر ما يستهلك الإنسان، بل يهلكه إطلاق الأحكام على الأشياء والأشخاص! بينما الأشياء والأشخاص هي في ذواتها في حكم البراءة الأصلية وإنما تلحقها صفات ومكتسبات هي في تغير لحظي دائم. وهذا التغير لا يمكن وعيه عن طريق الحكم عليه، وإنما يدرك ويفهم ويطور بمراقبته والتعرف عليه. كما أن من يطلقون الأحكام على الأشياء والأشخاص يفقدون الذوق، ثم يحجب عنهم جمال ما حكموا عليه، ثم يفقدون اللذة. كما بسط الفيلسوف (كانط) في كتابه (نقد ملكة الحكم) وهي حالة بئيسة تدمر الحياة حين لا يكون الإنسان إلا مصدراً للحكم على حركة لا تتوقف في الأشياء والأشخاص. كل هذه القواعد منسجمة في كينونة الإنسان تجعله في جاهزية واستعداد لزيادة وعيه الذاتي مترقياً في الوعي العالمي والوعي الكوني اللانهائي واللامحدود (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).