إذا تعاملنا مع بوتين كقائد يريد استعادة الإمبراطورية الروسية سيتصرف كذلك
وسط مخاطر عدة تحملها الأزمة الأوكرانية، هناك خطر كبير قليلا ما ينتبه إليه أحد، وهو سوء فهم روسيا
وسط مخاطر عدة تحملها الأزمة الأوكرانية، هناك خطر كبير قليلا ما ينتبه إليه أحد، وهو سوء فهم روسيا
السبت - 08 مارس 2014
Sat - 08 Mar 2014
وسط مخاطر عدة تحملها الأزمة الأوكرانية، هناك خطر كبير قليلا ما ينتبه إليه أحد، وهو سوء فهم روسيا.
هناك إجماع غربي حاليا بأن فلاديمير بوتين ينتظر، منذ 14 سنة في السلطة، الفرصة لإعادة بناء الامبراطورية السوفيتية، وأنه الآن يستغل الفرصة بسرور ويداه ملطختان بالدماء.
خارج روسيا، النظرة شبه الإجماعية لما حدث هي أن بوتين أمر بغزو شبه جزيرة القرم، وأن ذلك سيتبعه ضمها بالكامل إلى روسيا، وهذا يعد انتهاكا خطيرا لاتفاقية بودابست لعام 1994 التي تضمن سيادة أوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
وهي أيضا حركة يمكن أن تتصاعد إلى إعادة ضم شرق أوكرانيا، وربما البلد بكامله، إلى روسيا العظمى.
السيناريو المرعب لا يتوقف هنا، بل يتجاوزه إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، روسيا البيضاء هي بالفعل في الكتلة الروسية بشكل أو بآخر، ومولدوفا ليست بعيدة عن ذلك أيضا، أرمينيا ربما تُكافأ على موقفها المتعاون مع كتلة (يوراسيا) التي تنظمها روسيا ويُسمح لها بالحفاظ على استقلال نظري، وهكذا يستمر السيناريو ليشمل جورجيا أيضا.
ولكن ماذا لو كان بناء امبراطورية روسية ليس ما يسعى إليه بوتين؟ القادة الغربيون جعلوا من بوتين شبحا للحرب الباردة موجود في عقلهم الجماعي، كل ما يقوله ويفعله بوتين يتم تصنيفه وتحليله ضمن ذلك الإطار.
النتيجة هي استعداد مسبق لفهم كل شيء بشكل حرفي، حتى ولو كان القصد غير ذلك، ولكن ما هو الدليل على أن هدف بوتين النهائي هو ضم أوكرانيا إلى روسيا العظمى، أو منعها من التقارب مع الاتحاد الأوربي –بالقوة إذا تطلب الأمر؟ الجميع يشيرون إلى أن بوتين يعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي «أحد أعظم الكوارث الجيوسياسية في القرن العشرين.
لكن الحنين إلى الماضي لا يفترض الميل إلى التوسع، حتى لو توفرت الفرصة لذلك.
لماذا إذا لا نأخذ بعين الاعتبار تفسيرا آخر لتصرف روسيا! بوتين كرس في الواقع كثيرا من وقته كرئيس ورئيس وزراء لروسيا للتفاوض على اتفاقيات ترسيم حدود مع الجيران.
وقال علنا إن روسيا تعترف باستقلال أوكرانيا وأنها ترتبط مع روسيا بعلاقات وثيقة.
روسيا تحتل القاعدة البحرية في سيفاستوبول بموجب اتفاقية استئجار لمدة 25 سنة؛ إذا كانت أمريكا تحتفظ بقاعدة في كوبا، فلماذا لا يجوز لروسيا أن تحتفظ بقاعدة في أوكرانيا؟كل من يستشهد بالغزو الروسي لجورجيا كسابقة لما يحدث الآن في أوكرانيا يجب أن يأخذ أيضا جانبين آخرين لتلك الحرب في الحسبان، الجانب الأول هو تقرير أوروبي مستقل وجد أن جورجيا هي التي بدأت الحرب وأن ما فعلته روسيا كان ردة فعل.
الثاني هو أن روسيا كانت تستطيع احتلال العاصمة، تبليسي، لكنها لم تفعل ذلك، وفي النهاية انسحبت من جميع الأراضي باستثناء الجيوب التي يسكنها روس.
والأهم من ذلك أن بوتين نفى أن يكون تصرف روسيا في شبه جزيرة القرم هو غزو أو أنه يهدف لضمها إلى روسيا، لكن كلماته قوبلت بالتشكيك والتكذيب، ولكن إذا كانت الغاية إعادة أوكرانيا إلى الصندوق الروسي، لماذا يكون هناك حديث عن شروط؟ نحن في الغرب نعتقد أن وصول تعزيزات روسية وحشد السفن وتأمين المطارات يعد غزوا.
ويحق لنا أن نفكر كذلك، ولكن إذا كان بوتين يصر على أنه لا يوجد غزو، ربما يكون هذا لأن الهدف ليس احتلال أراض، ولكن تأمين قاعدة رئيسية تخشى روسيا أن تفقدها إذا ألغت الحكومة الجديدة الاتفاقية وانحدرت أوكرانيا إلى الفوضى.
الوضع في أوكرانيا على مدى الأشهر القليلة الماضية كان سيقلق أي رئيس روسي، وليس فقط بوتين.
روسيا شعرت بالإهانة والخديعة عندما توسع الناتو حتى حدود الاتحاد السوفيتي سابقا، غضبت بسبب قصف صربيا واستقلال كوسوفا بشكل سريع، كانت تخشى من انتشار الثورة البرتقالية الأوكرانية المدعومة من الغرب، كل هذا طفا إلى السطح في الخطبة اللاذعة التي ألقاها بوتين في ميونخ عام 2007 ضد الغطرسة الأمريكية والتهديد الذي يمثله العالم أحادي القطب.
ربما يكون كل ما تريده روسيا في وقاع الأمر هو التالي: أن يسمع الآخرون صوتها ويعترفوا بمصالحها ويتفهموا قلقها على مصير الروس الموجودين في أوكرانيا، الخطر الكبير الآن يكمن في أن يرد الغرب بطريقة استفزازية على ما يعتقد أنه محاولة لإعادة تشكيل الاتحاد السوفيتي، بينما أن كل ما تريده روسيا هو أن يتعامل معها الغرب كمشاركة لها مقعد على الطاولة.
* الاندبندنت