الصلاة والانفصام في حياة المسلمين
يعاني كثير من المسلمين اليوم من انفصام جلي واضح بين ما يمارسونه في الواقع وبين ما حمله الإسلام من مبادئ وتعاليم وقيم وأخلاق
يعاني كثير من المسلمين اليوم من انفصام جلي واضح بين ما يمارسونه في الواقع وبين ما حمله الإسلام من مبادئ وتعاليم وقيم وأخلاق
الجمعة - 07 مارس 2014
Fri - 07 Mar 2014
يعاني كثير من المسلمين اليوم من انفصام جلي واضح بين ما يمارسونه في الواقع وبين ما حمله الإسلام من مبادئ وتعاليم وقيم وأخلاق.
وإذا حاولنا أن نأخذ الصلاة التي هي عماد الدين بشيء من التدقيق لوجدنا أن كثيرا منا - إلا من رحم ربنا- يؤدي هذه الشعيرة العظيمة أداء لا يتجاوز كثيرا حالة إسقاط الحد - (وما أبرأ نفسي) فنرى حركات تتكرر سريعة، يسرق منها بعضنا حتى لا يبقى منها إلا القليل.
قال عليه الصلاة والسلام: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها).
لا طمأنينة ولا خشوع ولا سكينة أو هكذا يبدو من حالهم، فكأن المصلي يسابق الوقت ليسلم، أو كأنها حمل ثقيل على كاهله يريد أن يلقيه عنه لينصرف بعد ذلك إلى شأنه، كأنه لم يتأمل قول النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم (أرحنا بها يا بلال).
كان عليه الصلاة والسلام وصحابته والصالحون من هذه الأمة يجدون في الصلاة حلاوة وطمأنينة، قال عليه الصلاة والسلام: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).
ومن لم يجد حلاوة ولا قرة عين ولا طمأنينة في الصلاة فيخشى أنه لن يكتب له منها إلا القليل بسبب الغفلة وعدم الحضور.
يقول صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها»، وكان يقول: «إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها».
فالصلاة صلة بين العبد وربه وثمرتها الحقيقية أن تزيد العبد قربا من ربه وتحسن أخلاقه وسلوكه في معاملاته مع الخلق، قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾، العنكبوت:45روى الطبري عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم يزدد بها من الله إلا بعدا).
قال أبو العالية: إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال، فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله، فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر القرآن يأمره وينهاه.
فالمسلمون اليوم ذهبوا مذاهب شتى في صلاتهم فهناك صلاة الحركات وهناك صلاة فيها نوع خشوع وطمأنينة وقت الصلاة، فكثير من الناس يقصدون المساجد ويصلون بل وتنهمر دموعهم غزيرة ويظهر عليهم الخشوع لكن متى ما خرجوا من الصلاة لم يترجموا ذلك الخضوع والخشوع إلى ما يريده الإسلام منهم من رفق ولين وصدق وأخلاق كريمة وبعد عن تكفير أهل القبلة وبعد عن الغش وامتناع عن الربا وعن أكل أموال الناس بالباطل وعدم تضييع الأمانة وما يحثنا عليه ديننا من العطف على المساكين واحترام الإنسان لأنه إنسان وما أرشدنا إليه نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من تواضع وإخلاص وإتقان للعمل.
إنه من الطبيعي ألا تنهي صلاة بتلك المواصفات، التي بينها النبي الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، عن الفحشاء والمنكر فكيف إذا أضفنا لذلك ما فهمه الناس من تقسيم الشريعة إلى عبادات ومعاملات فظن بعضهم أن التعبد يقصد به فقط الشعائر التي اصطلح على تسميتها بالعبادات مثل الصلاة والزكاة والصيام أما العلاقات بين الناس وما ينطوي تحتها من حقوق مادية أو معنوية وما تتطلبه من سلوك حميد وأخلاق كريمة كل ذلك ليس من أساسيات الدين حسب فهمهم.
وما علم هؤلاء أن الدين كل متكامل لا تنفع فيه صلاة ولا صيام مع ظلم الناس وغشهم، يقول صلى الله عليه وسلم عن المفلس: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)، (رواه مسلم).
فالمسلمون يعيشون اليوم أزمة انسجام مع صلاتهم ودينهم عموما وفي القصة التالية أوضح تعبير عن هذا الوضع.
سافر شاب عربي مسلم إلى الغرب وتعرف على فتاة أوروبية وطلب منها الزواج لكن والده رفض زواجه منها إلا إذا أسلمت، فبدأ يحدثها عن الإسلام وأهدى لها بعض الكتب وطلبت مهلة أربعة أشهر وبعد انقضاء المدة حصل بينهما اتصال فأخبرته أنها أسلمت لكنها ذكرت له أنها لن تتزوجه لأنه ليس مسلما حسبما فهمت من دراستها للدين الإسلامي.
ولهذا لا نستغرب إذا سمعنا مقولة المغني البريطاني السابق - ستيفن كانت- (يوسف إسلام ) الذي قال بعد إسلامه إنه يحمد الله أنه أسلم قبل أن يتعرف على المسلمين، ورويت كلمة في نفس المعنى عن روجي جارودي.
كل ذلك بسبب ابتعاد الناس عن الدين الحق وتمسكهم ببعض الظواهر التي لا روح فيها ولا صدق ولا إخلاص أو ما عبر عنه أحمد أمين بالدين الصناعي.