تَحقِرُونَ صلاتكُمْ مع صَلاتِهِمْ
التباس الحق بالباطل يأتي على اعتبارات كثيرة ومقاصد متفاوتة
التباس الحق بالباطل يأتي على اعتبارات كثيرة ومقاصد متفاوتة
الجمعة - 07 مارس 2014
Fri - 07 Mar 2014
التباس الحق بالباطل يأتي على اعتبارات كثيرة ومقاصد متفاوتة.
وهذه المقاصد تأتي إرادية لمن يريد التلبيس، وتأتي غير إرادية يصنعها حسن النية مصحوبة بالجهل والغرور.
والباطل حين يأتي بوسائله الباطلة يكتشفه أهل البصر والنظر، وعندما يأتي بوسائل الحق ليختبئ وراءها فلن يكتشفه إلا أهل العقل والبصيرة.
ومن هنا يدخل الناس في مرحلة الافتتان بين المحق والمبطل.
وإذا استغربت الناس ظاهرة التلاعب بالقيم وتجسير المبادئ واستخدامها وسائل تؤدي إلى أهداف غير شرعية، فإن هذا الاستغراب يزول إذا علم الناس أن هذه الظاهرة استخدمت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل المنافقين، واستخدمها غير المنافقين أمثال الخوارج في عهد الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وفي كل زمان وجيل يظهر أمثال هذه الظاهرة بكل جوانبها النفاقية المتسلقة أو الجاهلة المضللة.
إن استخدام مظاهر الحق كواجهة للباطل، خطره أكبر من الباطل السافر، لأن عامة الناس تنخدع اندفاعا وراء مظاهر الحق دون تروي أو تمحيص لبواطن الأمور، وقد رأينا في واقعنا انتشار مثل هذا الخداع للناس بوسائل تنتمي إلى الحق.
وقد حذر الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم من أمثال ذلك في قوله :(أخوف ما أخاف عليكم منافقا عليم اللسان) وفي قوله: (يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة) وفي قوله: (لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا) وفي قوله: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين...الحديث).
كان الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه واجتمعوا في حروراء أكثر الناس صياما وصلاة وقراءة للقرآن.
وعندما قتل عمرو بن أدية الخارجي بين يدي زياد ابن أبيه دعا زياد خادم عمرو ومولاه فقال: صف لي أمره واصدق، فقال: أطنب أم أختصر؟ قال: اختصر، فقال: (ما أتيته بطعام في نهار قط، ولا فرشت له فراشا بليل قط، هذه معاملته واجتهاده، وذلك خبثه واعتقاده).
وكان الخوارج من شدة تمسكهم بالطاعات واجتنابهم في رأيهم المخالفات يكفرون أصحاب الذنوب ويرون المعاصي مكفرة على تفصيل في مذاهبهم.
وكان من قصة عبدالرحمن بن ملجم أشقى القوم وقاتل سيدنا علي كرم الله وجهه أنه ذهب خاطبا لقطام بنت علقمة وكان أمير المؤمنين قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فجعلت مهرها رأس علي ربيب النبوة وباب مدينة العلم وإمام الهدى، ولعمري لهو أغلى مهر قدمه خاطب لمخطوبته في هذه الأمة إلى قيام الساعة.
يصف المؤرخون حال قطام التي طلبت قتل علي مهرا لها حينئذ بأنها ضربت خيمة لها في المسجد الأعظم، واعتكفت لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.
وورد عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه أنه رأى قاتلي أباه عليا كرم الله وجهه يصلون قريبا من السدة التي يخرج منها أمير المؤمنين، قال: ما هم إلا قيام وركوع وسجود وما يسأمون من أول الليل إلى آخره.
ولما أخذوا ابن ملجم وجدوه شابا قد أضنته العبادة والصيام.
وكان أمير الخوارج عبدالله بن وهب الراسبي يسمى (ذو الثفنات) والثفنات هي ما مس الأرض من البعير وظهر آثارها عليه، وسمي بذلك لأثر السجود في جبهته كثفنات البعير.
إن كثرة العبادة لا تغني عن صاحبها شيئا ما لم تكن على قلب طاهر وطريق مستقيم.
وما أكثر العباد الذين ملؤوا الأرض دماء وكراهية وشحناء وفرقة وكبرياء واستعلاء، صوامون قوامون بكاؤون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار وليسوا من الله في شيء.
وهؤلاء قوم تتعاقب أجيالهم على مر التاريخ إلى أن تقوم الساعة؟أخبر سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه حين ظن الناس أنهم أبادوا الخوارج فقال: (كلا والذي نفسي بيده إن منهم لمن في أصلاب الرجال لم تحمله النساء بعد، وليكونن آخرهم لصاصا جرادين).
أي ينهبون الناس ويسرقونهم ويستحلون أموالهم.
وذلك لأن الخوارج يستبيحون أموال الناس لاعتقادهم كفرهم.
وروى ابن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يخرج ناس من المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون آخرهم يخرج مع المسيح الدجال».
وهو دليل قوي على سرعة مروقهم حيث يتبعون كل متزعم يدعو إلى القتل والتكفير.