جمهور معرض الكتاب
ليس لدينا بالطبع وسائل للتفريق بين من يحضر لمعرض الرياض الدولي للكتاب للشراء ومن يحضر للفرجة، بل لعل من يحضرون لاقتناء الكتب لا يخلون من صفة الفرجة في طريقة انتقائهم للكتب وفي نوعية الكتب التي يقتنون وفي عدم الالتفات إليها بعد شرائهم لها إلا لماماً
ليس لدينا بالطبع وسائل للتفريق بين من يحضر لمعرض الرياض الدولي للكتاب للشراء ومن يحضر للفرجة، بل لعل من يحضرون لاقتناء الكتب لا يخلون من صفة الفرجة في طريقة انتقائهم للكتب وفي نوعية الكتب التي يقتنون وفي عدم الالتفات إليها بعد شرائهم لها إلا لماماً
الخميس - 06 مارس 2014
Thu - 06 Mar 2014
ليس لدينا بالطبع وسائل للتفريق بين من يحضر لمعرض الرياض الدولي للكتاب للشراء ومن يحضر للفرجة، بل لعل من يحضرون لاقتناء الكتب لا يخلون من صفة الفرجة في طريقة انتقائهم للكتب وفي نوعية الكتب التي يقتنون وفي عدم الالتفات إليها بعد شرائهم لها إلا لماماً.
ولكن عدد الكتب المباعة تدلل على عدد المشترين الكبير وقصدهم الإفادة من المعرض، وهذا يستلزم السؤال عمن يشتري هذه الكتب ولأي غرض؟ هل هم الطلاب أم الباحثون والمثقفون...أم هم جمهور قراءة من نوع آخر؟ إن نوعية الكتب الأكثر رواجاً يمكن أن تجيب على ذلك، والمعرض بالطبعلا يسعفنا بإحصاءات موثوقة.
أما إذا اعتمدنا على الملاحظة والانطباع فإن قسما كبيراً من جمهور معرض الرياض هو «جمهور الإيديولوجيا»، ولا فرق في ذلك بين أن تختبئ تلك الإيديولوجيا في ديوان شعري أو رواية أو في مؤلف فكري أو عقدي...إلخ وبين أن تظهر حتى يتم إعلانها ويرتفع الصوت بها.
والمقصود بالأيديولوجيا هنا الفكرة الجاهزة التي يتم النظر عبرها إلى قضايا المجتمع والفكر والأخلاق، فتؤول المؤلفات إلى انتصار لها وهجوم على غيرها.
وليس إفراد «فكرة» هنا لنفي تعددها بل لوصف وحدتها التي تتعدد وتتنوع ولكنها لا تخرج عن تلك الصفة التي تجعل منها أيديولوجيا، سواء كانت بمنطق الدفاع عن الواقع، أو الحلم بيوتوبيا المستقبل، أو الاستنساخ لماض متفرد.
وجماهيرية الأيديولوجيا –بهذا المعنى- ناتجة عن اختصارها لصراع الفكر وتعب المعرفة في وصفة جاهزة، وصعوبة الانخراط في منظور معرفي دون تبني موقف من الواقع، فضلاً عن إحاطتها بالإنسان في هذا العصر عبر الميديا وقنوات التواصل الاجتماعي التي يجد المرء فيها عالماً مصنَّفاً بما فيه الكُتَّاب والمؤلفون ودور النشر...فكل يحمل وسمه التصنيفي الذي يتم اختصاره فيه.
وقد يكون الاستغلال لصفة «الكتاب الممنوع» أحد أبرز أدلة جمهور الأيديولوجيا.
فالدعوة إلى منع كتاب ممارسة أيديولوجية يتقصدها حزب ضد الكتب التي يرى أنها تشاركه في اقتسام الجمهور، من غير فطنة إلى أن الأمر يتكشف عما ليس في الحسبان، وأن السعي لحجب كتب الخصوم ومنعها وسيلة لترويجها وإذاعتها.
ولم يقتصر الأمر على فريق دون آخر فالدعاية الآن بمنع كتب «الإخوان» تأخذ الدوافع والمآلات التي تحققت في دعاية «الإخوان» أنفسهم ضد كتب غيرهم.
ولئن كانت السهولة التي تسم الأيديولوجيا هي ما يجمعها مع المنع والمصادرة في الصفة نفسها، فإن المقابل لذلك هو التحدي الذي يفرضه الغض من كتاب بمنطق النقض والتفنيد ومقارعة الحجة بالحجة.
الصراع الأيديولوجي هذا مسبَّب في المعرض عن مناخ العرض للأفكار المختلفة الذي يتيح تمظهر الذات وتصادمها مع غيرها، ولكنه يضطر في ما يتيحه المعرض من تنوع وتعدد إلى الانسحاب أو عقلنة رؤاه وضبطها والتحاور مع المختلف لا التصادم؛ ويجب أن يفي المعرض بذلك، وإلا فإنه يفقد قيمته الثقافية.
[email protected]