وقود المستقبل ينطلق من مشاريع المملكة العملاقة ليعيد رسم خارطة الطاقة العالمية
الاثنين - 01 ديسمبر 2025
Mon - 01 Dec 2025
عندما أطلقت المملكة العربية السعودية مشاريعها العملاقة ضمن رؤيتها الطموحة، لم يكن العالم يترقب مجرد مبادرات اقتصادية، بل كان يشهد ولادة منصات انطلاق لأكبر تحول نوعي في تاريخ الطاقة الحديث. في قلب هذه الرؤية المستقبلية تقع مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen) الأضخم في العالم، والتي تجسد طموح المملكة في قيادة حقبة الطاقة النظيفة بالاقتدار نفسه الذي قادت به حقبة الطاقة التقليدية. الهيدروجين الأخضر في المنظور السعودي ليس مجرد وقود بديل، بل هو «القطعة المفقودة» في أحجية الحياد الكربوني العالمي، والحل الأمثل والواقعي لإزالة الكربون من القطاعات الصناعية واللوجستية الثقيلة التي تعجز الكهرباء وحدها عن خدمتها بكفاءة.
تتمثل العملية الهندسية لإنتاج هذا الوقود النظيف في استخدام الطاقة الكهربائية المتجددة لفصل جزيئات الماء إلى أكسجين وهيدروجين نقي عبر تقنية متطورة تسمى التحليل الكهربائي (Electrolysis). وهنا تكمن الميزة التنافسية المطلقة للمملكة العربية السعودية التي لا يضاهيها أحد: فنحن نمتلك واحدا من أقل تكاليف إنتاج الكهرباء الشمسية وطاقة الرياح في العالم، بفضل موقعنا الجغرافي الاستراتيجي الذي يضمن سطوعا شمسيا عاليا وكثيفا نهارا، ورياحا قوية ومستمرة ليلا، خاصة في منطقة الساحل الشمالي الغربي التي تتمتع بموارد طبيعية استثنائية. هذا المزيج الفريد من الموارد الطبيعية يسمح بتشغيل المحللات الكهربائية بمعامل كفاءة مرتفع جدا (Capacity Factor) وعلى مدار الساعة، مما يخفض بشكل جذري من تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين، وهو العامل الحاسم في المنافسة في أسواق الطاقة العالمية المستقبلية.
ولكن التحدي الهندسي لا يتوقف عند حدود الإنتاج، بل يمتد ليشمل تعقيدات النقل والتصدير إلى الأسواق العالمية. الهيدروجين في حالته الغازية خفيف جدا ويشغل حيزا كبيرا، مما يجعل تخزينه ونقله لمسافات طويلة عبر البحار أمرا مكلفا للغاية. هنا يأتي الحل السعودي الذكي والعملي بتحويل الهيدروجين الأخضر فور إنتاجه إلى أمونيا خضراء (Green Ammonia) عبر دمجه مع النيتروجين المأخوذ من الهواء. الأمونيا سائل أسهل بكثير في الشحن والنقل عبر ناقلات بحرية عملاقة، وللمملكة بنية تحتية عالمية راسخة وخبرة طويلة تمتد لعقود في التعامل مع الأمونيا وتصديرها من خلال شركاتنا الوطنية العملاقة مثل «سابك» و»أرامكو». بمجرد وصول الأمونيا الخضراء إلى وجهتها النهائية في أوروبا أو آسيا، يمكن استخدامها مباشرة كسماد نظيف للزراعة، أو كوقود نظيف للسفن، أو إعادة تحويلها إلى هيدروجين لتشغيل المصانع والشاحنات وخلايا الوقود.
هذه المشاريع الاستراتيجية تضع المملكة في قلب معادلة الطاقة المستقبلية، حيث توفر حلا جذريا لـ«القطاعات صعبة الإزالة الكربون» (Hard-to-Abate Sectors) مثل صناعة الصلب، والأسمنت، والنقل البحري الثقيل، وهي قطاعات حيوية للاقتصاد العالمي.
إننا في المملكة لا نبني مجرد مصانع، بل نؤسس لاقتصاد هيدروجيني متكامل يشمل البحث والتطوير والابتكار والتصنيع. هذا التوجه يخلق آلاف الفرص الوظيفية النوعية للكوادر السعودية الشابة في مجالات الهندسة والكيمياء والتقنية، ويؤكد للعالم أن المملكة ليست فقط ملتزمة باتفاقيات المناخ الدولية فقط، بل هي الدولة التي تبتكر الحلول الاقتصادية والهندسية الواقعية لتنفيذها، جاعلة من صحرائنا ورياحها مصدرا متجددا للطاقة لا ينضب، ورافدا جديدا للاقتصاد الوطني يكمل مسيرة العطاء لقطاع الطاقة السعودي.