سيأتيكم برد شديد!
الاثنين - 01 ديسمبر 2025
Mon - 01 Dec 2025
أنا لا أفهم في الطقس، ولا أجيد قراءة صور الأقمار الصناعية، لكنني أتابع تطبيقا يخبرني بحالة الطقس للعشرة الأيام القادمة، وهذا يكفيني خبرا. لكن أصدقاءنا - وغير أصدقائنا - محللي الطقس يعرفون أكثر من تلك التطبيقات، ومن الأقمار الصناعية نفسها، ويعرفون، بحكم علاقتهم الوطيدة بالرياح الموسمية القادمة من روسيا، متى ستهب تحديدا! وقد قالت لهم هذه الرياح إنها ستحمل في يناير القادم بردا قارسا، وهذا الخبر حصري لك، ولهم ومعهم علاقة حصرية مع المنخفض الهندي فهو يخبرهم عن تحركاته قبلها بسنة!
أحيانا نصبح مهووسين بالتنبؤ؛ فالطقس والاقتصاد وسلوك الأمراض التقدمية كلها مجالات لها علومها الخاصة، لكن لكل شيء حدودا، أيها المتخصصون في الطقس. لن أقول: ارحموا عقولنا، بل سأقول: أخذنا دروسا كافية لنعرف ألا نصدقكم. فالمحتوى المثير عندكم أهم من الصدق، وما يريد الناس سماعه من غرائبية أهم من التحليل العلمي وقراءة صور الأقمار الصناعية. والمصداقية - فيما يبدو - ليست أمرا ذا بال مقارنة بزيادة عدد المتابعين والإعجابات، والجمهور الذي يتشرف بالسلام والتصور معكم هو الهدف، ولا ألومكم بل ألوم الجمهور المتسطح الذي سلم عقله لكم!
يعشق بسطاء الناس الوهم والخرافة، ويعشق آخرون الاتكاء على شخص يقول لهم ما يريدون سماعه. ويكفي أن تصيب نبوءة واحدة - ولو صدفة - لينطلق الناس بها، ثم تكذب عشرين مرة ولا يزالون يصدقونك، لتصبح مشهورا. فالناس ذاكرتهم مثل ذاكرة السمكة؛ تنسى طعم الصياد ثم تعود إليه حتى تقع في الشرك. (وأحب الناس وأقدرهم ولا أحب أن أشبه ذاكرتهم بذاكرة الذباب). لكن هذا استغلال دنيء لذاكرة الناس المثقوبة!
أحدهم أستاذ جامعي يؤلف في الطقس أشياء ليست في المنهج، وآخر دكتور في التوقعات الكاذبة، وأفضلهم من ينسخ آراء الآخرين ليقدم نفسه خبيرا في الطقس. وأخيرا يأتي الضحية الذي يذهب للسوق ليشتري ما يقيه ذلك «البرد القارس» المزعوم، لتبقى تلك الأجهزة في صناديقها سنة بعد أخرى لأن بردهم القارس لم يصل بعد.
لكن ماذا لو صدقوا؟ إن كان التحليل علميا فعلينا الإقرار به، أما إن كانت توقعات بهطول أمطار غير طبيعية بلا مستند علمي أو برد قارس غير مألوف بلا أدلة عقلية، فهذه علامة على أننا ما زلنا نعتمد على «يقولون»، وأن العقلية العلمية لم تسيطر بعد على عقول الناس. أنا أتفهم أن بعض الناس بسيطة، لكن أن تصبح معظم العقول بسيطة شيء مؤلم، والأكثر إيلاما أن تسلم هذه العقول نفسها لملوك المحتوى المثير والغرائبي، الذين يشجعهم الناس على المزيد، على حساب الحقيقة.
يقول صاحبي إنه سأل الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع الدكتور فلان أن يتنبأ بأن الطقس بعد شهر سيكون ممطرا بشكل غير عادي؟ فأجاب الذكاء الاصطناعي ساخرا: والله لو كان ساكنا على القمر ويراقب السحاب من فوق، مستحيل يعرف! وبصدق، سلمت أمري لله وآمنت به!