عبدالله قاسم العنزي

يا هيئة حقوق الإنسان... ملصقات وزارة الصحة أصبحت تخيف المواطن بدل أن تطمئنه

الأحد - 16 نوفمبر 2025

Sun - 16 Nov 2025



يا هيئة حقوق الإنسان، إن دوركم الرقابي ليس ترفا مؤسسيا، بل هو صمام الأمان حين تختل العلاقة بين الجهات التنفيذية والمستفيدين. واليوم نقف أمام حالة تستحق وقفة صريحة: ملصقات التهديد بالسجن والغرامات داخل المرافق الصحية، والتي صيغت بلهجة صارمة توحي بأن المواطن ليس مريضا ولا مستفيدا، بل «متهم محتمل» يحتاج إلى ردع قبل أن يحتاج إلى رعاية.

إن هذه الملصقات - التي تتحدث عن عقوبات تصل إلى «السجن عشر سنوات والغرامة مليون ريال» لمن يعتدي على الممارس الصحي - لا تستند إلى نص نظامي صحيح في سياقها. فالنص بهذا التوصيف وهذه العقوبة ليس ضمن نظام مزاولة المهن الصحية كما أوهم به المواطن، بل مأخوذ من أنظمة عقابية مختلفة لا علاقة لها ببيئة الخدمة الصحية. وهذا يعني أن المواطن يتعرض لعملية تحوير للنص القانوني وإيهام غير مباشر، الأمر الذي يتعارض مع أبسط مبادئ الشفافية والوضوح التي يكفلها النظام الأساسي للحكم.

ولكن القضية أعمق من مجرد «لوحة خاطئة».

إن تبني وزارة خدمية لهذا الخطاب يكشف عن احتقان خفي في العلاقة بين المواطنين والوزارة. فحين تفشل أدوات التواصل، وحين يشعر المراجع أن صوته غير مسموع، وحين تتكرر الشكاوى المرتبطة بجفاف المعاملة أو غياب الشرح الطبي... تلجأ الإدارة - للأسف - إلى لغة الترهيب بدلا من لغة الخدمة.

وهذا التحول ليس عابرا، بل مؤشر على أن الوزارة تتعامل مع المستفيد بوصفه خطرا لا شريكا، وهذا ما يستوجب تدخلكم كجهة حقوقية عليا.

يا هيئة حقوق الإنسان، إن نشر ملصقات عقابية داخل بيئة الخدمة لا يتسبب في بث الخوف فقط، بل يؤثر مباشرة في حق المريض في المطالبة بحقه. فالمراجع اليوم قد يتردد في تقديم شكوى، أو حتى في الاعتراض على معلومة طبية بسيطة، خشية أن يفسر صوته العالي - الناتج عن الألم أو القلق - على أنه اعتداء لفظي. وهذا التعطيل غير المباشر لحقوق المريض لا يقل خطورة عن أي مخالفة أخرى، لأنه يخنق حقا أصيلا من حقوق الإنسان: حق التعبير، وحق الاعتراض، وحق الحماية من الإيهام بالعقوبة.

إننا نطالبكم - بصفتكم الحارس القانوني للكرامة الإنسانية - بما يلي:

1 - التحقق من مشروعية هذه الملصقات وإلزام الوزارة بالالتزام بالنصوص الصحيحة دون زيادة أو تحوير.

2 - مراجعة لغة الخطاب الإداري الصحي بحيث تقدم حقوق المريض أولا، لا العقوبات.

3 - التأكيد على أن الشكوى حق مشروع، وأن الاعتراض ليس جريمة، وأن رفع الصوت خوفا أو ألما لا يعد اعتداء وفق النظام.

4 - طلب خطة رسمية من وزارة الصحة لتحسين منظومة التواصل الصحي، لأن الخلل الحالي هو الذي ولد لغة التهديد.

يا هيئة حقوق الإنسان...

إن المريض الذي يتكئ على باب المستشفى ليس بحاجة إلى لائحة عقوبات، بل إلى لائحة ضمانات.

وإذا كان الخطاب الإداري قد انزاح نحو القوة المفرطة، فإن دوركم اليوم هو إعادة الاتزان، وصون كرامة المواطن، وتذكير كل جهة بأن الخدمة العامة تقوم على الاحترام قبل الردع، وعلى الثقة قبل التهديد.

ولعلكم تدركون قبل غيركم... أن الحقوق لا تحميها الملصقات، بل تحميها مؤسسات قوية لا تسمح بترهيب المستفيد ولا بتحريف النص.