حاتم بارجاش

من يحكم البيانات؟ الحوكمة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي

الأحد - 16 نوفمبر 2025

Sun - 16 Nov 2025



في عالم تتحرك فيه المعلومات أسرع من البشر، ويصنع فيه الذكاء الاصطناعي قرارات لم نعد نراها ولا ندركها إلا بعد وقوعها، يبرز سؤال جديد، لم يكن مطروحا قبل أقل من عقد: (من يحكم البيانات؟ ومن يراقب من؟).

لم تعد الأسواق تدار فقط بالأرقام، ولا المؤسسات توجه فقط بالسياسات، بل أصبحنا في عالم تصنع فيه القوة الحقيقية من السيطرة على البيانات، وجودة استخدامها، ونزاهة الذكاء الاصطناعي الذي يعالجها.

البيانات... السلطة الجديدة

قبل سنوات، كانت الثروة تقاس بالنفط أو الذهب أو الأراضي. اليوم، تقاس الثروة بمن يملك البيانات ومن يحللها ومن يحكمها، ولهذا نرى الشركات التقنية الكبرى تتحول إلى «قوى ناعمة» عالمية، ليس لأنها تصنع تطبيقات، بل لأنها تملك قدرة غير مسبوقة على صناعة المعرفة والتأثير.

الذكاء الاصطناعي... قوة بلا رقابة؟

الذكاء الاصطناعي ليس أداة محايدة. إنه يتعلم من البيانات التي ندخلها إليه، ويعيد تشكيل قرارات المؤسسات، ويؤثر على سلوك الأسواق، بل وحتى على توجهات المجتمعات. ومثل أي سلطة جديدة، نحتاج أن نسأل: من يضمن عدالة الخوارزميات؟ من يمنع التحيز داخل النماذج؟ من يراقب كيفية استخدام البيانات الحساسة؟ ومن يضمن ألا يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى سلطة منفلتة؟ هذه أسئلة «حوكمة رقمية»، وليست أسئلة تقنية.

السعودية... عشر خطوات إلى الأمام

من بين الدول التي فهمت مبكرا خطورة السلطة الرقمية، برزت السعودية - بقيادة الأمير محمد بن سلمان - برؤية واضحة: أن الذكاء الاصطناعي ليس مشروع تقنية... بل مشروع سيادة وطنية.

ولذلك ظهرت مبادرات كبرى مثل: الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) - المركز الوطني للذكاء الاصطناعي - سياسات حماية البيانات ومشاركة البيانات - مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، كلها تؤكد أننا لا نريد الذكاء الاصطناعي فقط، بل نريد حوكمة الذكاء الاصطناعي.

حوكمة البيانات... ليست رفاهية

من دون حوكمة رقمية فعالة، سيحدث التالي:

- نماذج الذكاء الاصطناعي تعيد إنتاج التحيز دون أن نشعر.

- المؤسسات تتخذ قرارات خاطئة اعتمادا على بيانات غير محكومة.

- خطر تسرب البيانات الحساسة يصبح أكبر من أي تهديد مالي.

- تفقد الدولة سيادتها على أهم أصولها المعلومة، لذلك الحوكمة الرقمية لم تعد خيارا، بل شرط وجود في أي سوق حديثة.

من يحكم الذكاء الاصطناعي؟

الحوكمة الرقمية تعني سياسات واضحة للبيانات - رقابة صارمة على جودة النماذج - شفافية في القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي - مساءلة من يستخدم البيانات ومن يملكها - ووجود «قضاء رقمي» أو آليات اعتراض رقمية (Digital Appeals)، بهذا فقط يمكن بناء سوق عادلة، ومؤسسات مستقرة بدل أن تتركه للخوارزميات.

الخلاصة: الحوكمة قبل التقنية

السؤال لم يعد: كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي؟ بل أصبح (كيف نحكمه ومن يملك السلطة عليه؟) وفي عالم تتنافس فيه الدول على المكانة والموثوقية، ستكون الدولة التي تحكم بياناتها وتحكم ذكاءها الاصطناعي هي الدولة التي تحكم مستقبلها.