خليل الشريف

مؤسسات تسير بالمحركات البخارية

الاثنين - 13 أكتوبر 2025

Mon - 13 Oct 2025


أصبحت العبارة التي درجت بداية الألفية الثانية من القرن العشرين والقائلة (إن الأعمال لن تكون كالمعتاد) عبارة مألوفة تتكرر في أوساط المنظمات ورجال القيادة والأعمال. كانت التحولات الإدارية والاقتصادية في أوج ازدهارها آنذاك، وكانت الخدمات والابتكارات والصناعات العديدة تشهد منافسة شرسة ومتواترة؛ فكل خطوة تقوم بها مؤسسة أو شركة منافسة تقابلها على الفور خطوة مماثلة من مؤسسات منافسة لها.

والمنظمات التي كانت تعجز عن مواكبة ذلك التواتر كانت تواجه الفشل والخروج من حلبة المنافسة وحتى الوجود. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا. هل ذلك ينطبق على المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية في السعودية اليوم؟ إن الإجابة بكل تأكيد نعم. ومهما كان العمل الحكومي يتضمن في معظم مبادئه وأنظمته على التكامل والتنسيق بين الجهات والهيئات والوزارات الحكومية؛ إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يظهر لنا في سياق المشهد مؤسسات تنطلق بسرعة المحركات النفاثة، بينما تبقى مؤسسات أخرى تسير بالمحركات البخارية!!

إننا نشهد منذ بزوغ رؤية المملكة 2030م تحولا كبيرا في مؤسسات الدولة، وهناك حراك منظم وسريع لتحقيق الأهداف والمؤشرات المرسومة في حيز زمني ضيق إذا ما قسناه في عمر التحولات المؤسسية والتنظيمية. وأينما اتجهت أنظارنا ستجد الوزارات والمنظمات تعمل في نطاق التحول بشكل لافت ولا يحتمل التأخير. ففي وزارة التعليم - على سبيل المثال - نرى أثر الرؤية جليا وحيا وسريعا، حيث تشير قرارتها الحديثة كافة إلى المقولة السابقة (إن الأعمال لن تكون كالمعتاد). لقد أجرت تعديلات جوهرية في الهياكل التنظيمية، واتخذت خصخصة الكثير من الخدمات التعليمية اتجاها حيويا في ممارساتها التشغيلية. كما بدأت بتسارع لا يكاد يصدقه العقل - في عامين تقريبا - بالقضاء على التضخم الإداري والتنظيمي غير المبرر، والذي أثقل كاهل المؤسسة التعليمية على مدى عقود طويلة من الزمن. لقد صنعت قيادات الوزارة معجزة حقيقية لم يتمكن أي طاقم وزاري قبل ذلك من إنجازها في تاريخ الوزارة كله. وبغض النظر عن اتفاقنا مع بعض القرارات في ذلك التحول أو من عدمه، وبغض النظر عن المشكلات التي تصاحب أي تغيير مؤسسي مماثل؛ فإن هذه التجربة الفريدة في سرعة التغيير التي حدثت في وزارة التعليم اليوم.

تستحق أن تدرس في كليات الإدارة والأعمال كافة، حول كيفية التحرك القيادي والإداري السريع لتحقيق الرشاقة التنظيمية وكفاءة الإنفاق وحشد الموارد للأماكن الصحيحة، وهو بطبيعة الحال المدرسة.

ولو أخذنا العدسة باتجاه مؤسسات أخرى كهيئة تقويم التعليم والتدريب سنرى أنها أحد أبرز الهيئات الحكومية في التطور والتنظيم وتحقيق خططها على أرض الواقع بكفاءة وفاعلية ملفتة للنظر. بالرغم أن عمرها المؤسسي يعتبر حديثا بين المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية فقد صدر قرار تأسيسها في عام 1437هـ، إلا أنها سبقت الكثير في مجالها وتحولت إلى مظلة ضخمة لقياس وتقويم معظم الجهات والتخصصات والمهن المختلفة، كما أنها حققت مؤشرات بارعة في إدارة المهام والأعمال التي تخص كفاءة الإنفاق والاستدامة المالية.

هذا قليل من فيض من الأمثلة لمؤسسات وهيئات ومعاهد حققت تحولا متسارعا مع توجه الدولة الجديد وساهمت في زيادة الكفاءة التشغيلية الحكومية، وتحركت بجهود حثيثة لتحقيق أهم المستهدفات في أقل وقت ممكن.

مع ذلك لن تخطئ العين رؤية عدد محدود من الهيئات أو المعاهد الناشئة وهي تدور في حلقات مفرغة تبدو وكأنها تائهة في هذا التسارع الحكومي المتكامل، والعمل الدؤوب الذي لا يتوقف. حيث يمكن القول دون تعدٍ أو تجنٍ على الحقيقة إن المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي أحد الأمثلة الجلية للفشل الذريع في تحقيق تطلعات جميع المستفيدين من خدماته. والتخبط في تنفيذ التطوير المهني الموعود للمعلمين، والذي لم يرَ النور أكثر من سبع سنوات منذ إنشائه. فقد كانت انطلاقة الفكرة كمركز وطني للتطوير المهني التعليمي قبل ما يقارب 9 سنوات، وواجه حينها العديد من عوامل التعثر التي أدت إلى إلغاء المركز في عامه الثاني، وحينها صدرت الموافقة السامية من مجلس الوزراء بإنشاء المعهد عام 1440 هـ ليكون الجهة الرسمية والوحيدة لتطوير شاغلي الوظائف التعليمية. وبالرغم أنه منح رسميا الاستقلال الإداري والمالي الكامل إلا أنه ما يزال يعاني من معضلة اللعب مع الكبار. فالجهات التي تتقاطع مع أعماله ومستهدفاته لا يمكنها السير بهذا التثاقل والبطء المريع مع مؤسسة لم تحقق شيئا جوهريا منذ 7 أعوام عجاف، وأدى هذا التأخر في تنفيذ نشاطاتها الرئيسية لمشكلات عديدة بدأت تظهر ملامحها بوضوح الآن. فالمعلمون الراغبون بالترقيات الوظيفية من خلال نقاط التطوير المهني التعليمي لا يجدون أي جهة أخرى يمكنها منح المعلمين ذلك التدريب وتلك النقاط. وهي أحد الشروط الأساسية في نظام الترقية، التي شرعها المعهد نفسه. لقد خلق المعهد فراغا كبيرا في مجال هو المعني الأول به. وتوقفت عجلة التدريب في كل أرجاء الوزارة والإدارات التعليمية والمعاهد الخاصة إيذانا بمسؤولية المعهد الرئيسية في تدريب شاغلي الوظائف التعليمية، لكن عجلة المعهد تسير بالمحركات البخارية. ويبدو أنها تفتقر للمزيد من الفحم!

لقد كان هناك خلل قيادي وإداري في البنية الأساسية لقرارات وأولويات المعهد في مرحلة التهيئة، وهي معضلة لطالما تصيب المؤسسات حديثة الإنشاء وتعرف بمصطلح (وهم الإنجاز). يعتقد بعض القادة أن أكثر عمل يجب أن يتم التركيز عليه في بداية انطلاق المؤسسة هو إعداد الاستراتيجية والخطط والرؤى المستقبلية، فيضخ كل الجهود ويصرف معظم الوقت نحوها ويتنامى اعتقاد راسخ مع العديد من الاجتماعات والورش والملتقيات والبحث والدراسة أن هناك عملا دؤوبا وكبيرا يتم في المؤسسة، وتتصور فرق العمل المتنوعة أن الاستراتيجية هي المنجز الأكبر والأهم في نشاطهم الوظيفي اليومي، وأنه بمجرد أن يتم الاتفاق على مرتكزاتها وبرامجها ورؤيتها، ومن ثم الإعلان عنها فإن التحول سوف يكون سريعا والبدء بالتنفيذ والعمليات التشغيلية سيصبح ممهدا بالسجاد الفاخر وقطع شريط البداية واستلام بوكيه الورد لبدء التطبيق الواقعي.. في الحقيقة هذه أكثر أوهام القادة الخاطئة انتشارا في العالم، وهي بطبيعة الحال أكثر أسباب فشل المؤسسات حديثة العهد في المجال. إن هذا لا يعني أن التخطيط والاستراتيجيات ليست ذات أهمية أو أنه يجب تكليف أي مجموعة ذات كفاءة عادية في المنظمة بها. على الإطلاق. لكن أي استراتيجية ولو كانت في غاية الإتقان والحذاقة ولو لامست جميع نقاط الضعف واستهدفت كل الفرص المتاحة.. تظل في نهاية الأمر حبرا على ورق ما لم يكن هناك إدراك عميق وشامل لعمليات التنفيذ والتشغيل.

باعتقادي، إن المعهد لم يبحث بطريقة جوهرية حول جوانب قصور أو مميزات أداء الجامعات في إعداد المعلم سابقا بل ولم يظهر للمهتمين مدى المقاربة أو الاختلاف لبرامج إعداد المعلم السابقة مع النماذج العالمية حتى يكون مقنعا في قراراته الخاصة بإعداد المعلم. كما أظن أن المعهد لم يفهم سياق التعليم العام التنظيمي والإداري والإجرائي وتعقيدات الجهاز الوزاري بوكالاته وإداراته العامة كافة. ولم يتوغل بشكل حقيقي في فهم أعمال وإجراءات إدارات التعليم بالمناطق وأساليبها الإدارية وثقافتها التنظيمية. ولم يدرس بشكل حقيقي طبيعة المعملين أو مديري المدارس أولئك المستفيدين الأساسيين من خدماته، ولم يهتم للإجراءات والعقبات والمستجدات التشغيلية التي تتم داخل المدرسة في كل يوم من أيام العام الدراسي. كما أنه اتخذ نظرة الإقصاء لكل الخبرات التدريبية السابقة في التعليم العام وإجراءاتها وعملياتها وأساليبها التشغيلية، وكذلك كفاءاتها التدريبية التي بنيت على مدار عقود من الخبرات المتراكمة، ولم يوليها الاهتمام الجاد بل اعتبرها بشكل كلي وشامل معيقة لاستراتيجية المعهد والنماذج العالمية التي يبشر بها منذ 7 أعوام. كما أنه من المؤكد نتيجة هذا التأخر الطويل في ولادة برامجه يشير إلى افتقاره الشديد إلى الكفاءات الوطنية في المجالات التشغيلية والتنفيذية، أولئك الحاذقين والخبراء في العمل المؤسسي والحكومي، القادرين على اكتشاف العقبات والتحديات التنظيمية والتشريعية قبل البدء في رسم الاستراتيجيات. في ظل هذا كله ودون الاهتمام بكل ما ورد آنفا من يمكن له أن يتوقع نجاح استراتيجية تخلت عن أهم العوامل ذات التأثير العميق والحقيقي في الحراك الأولي لأي مؤسسة حديثة؟

يعمل القادة الخبراء على استمرار العجلة التشغيلية السابقة وإبقاء النشاط المستهدف للمؤسسة قائما ولو بشكله الاعتيادي أيا كانت مستوياته الفنية، حتى يتمكنوا من رسم استراتيجيتهم دون خلق فراغ وفوضى لن يتحملوا عواقبها.

كما أنهم يتوقعون كل تحدٍ تنفيذي ويعطونه الأولوية في قراراتهم أكثر من اهتمامهم ببهرجة الاستراتيجيات والرؤى. وهذا يذكرنا بمقولة عالم الإدارة الكبير بيتر دراكر (يمكن للاستراتيجية أن تؤكل على مائدة الإفطار) يعني بذلك أن فرق العمل المعنية بتنفيذ الاستراتيجية يمكن أن تفضل قضاء الوقت في التهكم والتندر بها أثناء الإفطار أكثر من الإيمان بجوهرها والجدية في تطبيقها. مما يشير إلى أن عين القائد دائما على أسلوب التشغيل واختيار القيادات التشغيلية والتنفيذية وفرق العمل ذات الكفاءة التي تؤمن بتوجهات الاستراتيجية ومركزاتها الرئيسية، ودور القائد الأساسي أن يخلق الروح المعنوية للعمل الدؤوب والمبدع لأولئك القائمين على تصميم ومتابعة أشكال التنفيذ وأساليبه، والتركيز الذي لا ينقطع عن المتابعة والتجوال الميداني المباشر وحل عقبات التنفيذ بشكل منهجي وفائق السرعة. يجب أن يهتم القائد باختيار الكفاءات وبتنمية الروح المعنوية في المؤسسة أكثر من أي شي آخر.. غير ذلك ستؤول الاستراتيجية والمؤسسة نفسها إلى الزوال.

لقد ضاع المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي بين إجراءات تشغيلية ترتبط بشركاء يسبقونه في الأداء التشغيلي بأشواط هائلة. ووفقا للاستراتيجية التي أعلن عنها في مؤتمر «مبادرة القدرات البشرية» بتاريخ 29 فبراير 2024م، ووفقا لما ورد في عدد من فقرات قرار تأسيسه، فإن المعهد معني من جهة بالعمل مع متطلبات وزارة التعليم، ومن جهة أخرى مع الجامعات وكليات التربية، ومن جهة ثالثة مع هيئة تقويم التعليم والتدريب والمؤسسة العامة للتدريب، ومن جهة رابعة مع شركة تطوير، ومن جهة خامسة مع الشركاء الدوليين الذين تم اختيارهم بمبدأ من كل بحر قطره! ووسط هذه المعمعة، وفي غياب الكفاءات من فرق العمل اللازمة لمواجهة هذه الاتجاهات والجهات المختلفة، ضاعت روح المعهد نفسه، وضاعت استقلاليته، وضاعت هويته، وضاعت تطلعاته الحالمة وأصبح فعليا غير قادر على هذه البراكين التي تنفجر عليه من كل اتجاه من الإجراءات والضوابط والخطوات التشغيلية واللوائح والأنظمة الرسمية، والثقافة التنظيمية لكل مؤسسة يشاركها العمل. وتقلص دوره إلى ما يسمى (محول كهربائي) يربط جهة بأخرى، وربما يسالم جهة على حساب مستفيديه، وربما ينافس جهة أخرى على حساب مستفيديها، ولم يعد السياق القائم، سياقا يأخذ المعهد إلى بر الأمان.. بل إلى المزيد من التيه والضياع.

يحتفل المعهد بإنجازات اعتيادية ليست ذات علاقة بتطوير حقيقي للمشهد التعليمي، فالمتابع لما تم إعلانه في مجال إعداد المعلم وهو أحد الركائز الاستراتيجية للمعهد؛ يلاحظ أن الإجراءات التي اتخذت لا تحمل في طياتها أي بادرة تحول مأمول في إعداد المعلمين، حيث أوكل الملف إلى كليات التربية بنشاطاتها السابقة ذاتها، وبأساتذتها ذاتهم، وبقاعاتها ومبانيها نفسها، وفي ظل إشرافها الإداري والتنظيمي، وفي كنف ثقافتها التعليمية السائدة، وكل ما أنجز هو استقطاب لمقررات تربوية خارجية، وكأن المشكلة الوحيدة في إعداد المعلم هي المقررات. والسؤال المطروح ما التغيير الذي يمكن القول عنه نقلة نوعية في إعداد المعلمين على هذا النحو؟ الإجابة دون تجنٍ على الواقع.. يمكن اختصار ما حدث بأنه إعادة تشغيل كليات التربية ولكن بربطة عنق جديدة!

وفي مجال تطوير المعلمين والقيادات المدرسية القائمين تحت الخدمة، يعاني الميدان التربوي من عجز كبير في سد الاحتياجات التدريبية يكاد يصل إلى الحرمان التام لمعظم شاغلي الوظائف التعليمية من التطوير المهني التعليمي، بينما يدعو المعهد بفخر عجيب للتسابق للدخول لمنصة ليست منصة خاصة به (منصة فيوتشر إكس) للالتحاق ببرامج تدريبية الكترونية غير متزامنة تكاد تعد على الأصابع. أعدت فيما نفترض على أن تكون برامج إثرائية وليست برامج رئيسية مبنية على احتياج وقائمة على منهجية علمية في تطوير المعلمين. فالمعهد للأسف الشديد لم يستفد من شركائه في إعداد مقرات للتدريب، أو الاستعانة بالمدربين المحترفين في إدارات التعليم، ولم يوفر منصة خاصة به للتواصل وتقديم خدماته للمستفيدين، ولا يستطيع حاليا أي فرد من مستفيديه أن يتواصل مع المعهد لاعتماد حقيبة تدريبية أو تنفيذ برنامج تدريبي، فهو يعيش بمسافة بعيدة عن المجتمع التعليمي، وجميع شاغلي الوظائف التعليمية يتساءلون عن دوره، وعن أسباب وجوده، وهم لا يرون أي أثر حقيقي له في أرض الواقع.

ومع ذلك فإني أعترف بارتجاف عميق تختلج به نفسي من جراء الإقدام الجسور على نقد مؤسسة كنت أحد المنتمين لها، والمؤمنين ببالغ أهميتها وبدورها الذي يلامس جوهر تطوير التعليم بكامله وهو تطوير المعلم. إلا أنني اليوم خجلا ومترددا وجهت هذا النقد ويعوزني أمل لا يحوله يأس؛ أن يكون هذا المقال نقطة ضوء مهمة للمعهد، وأن ينظر مسؤولوه لهذا النقد على أنه صوت لم يعتادوا سماعه في المرحلة السابقة. وأن هذا الصوت مهم قبل أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه المعهد غير ذي جدوى فنية أو تشغيلية، ويعاني من عجز الاستدامة المالية ويصبح هدرا حقيقيا في شقي الكفاءة المالية أو التنظيمية، مما يؤدي إلى الاستغناء عن فكرة إنشائه وتسليمه لشركة كبرى خاصة مشغلة في المجال ذاته تتلقى توجيهاتها ومعايير عملها بشكل مباشر من الجهة المشرعة وهي وزارة التعليم.

إن المعهد في المرحلة الراهنة يحتاج لتشكيل فرق عمل لمعالجة جوانب التأخر والتعثر بشكل سريع، وبتفويض كامل للبدء باستقطاب الكفاءات من الخبراء في العمل المؤسسي الحكومي العام. إذ إن تعقيدات الأجهزة الحكومية تختلف اختلافا كبيرا عن تعقيدات العمل في القطاع الخاص، أي كفاءة بشرية تستقطب للمعهد في هذا الوقت تحديدا من القطاع الخاص أو الجامعات إما سيصابون بالإحباط والانهزام، أو سيحاربون المعوقات بطريقة عشوائية وربما غير حكيمة، مما يخلق المزيد من خسارة التحالفات وتعاون الجهات ذات العلاقة. ومن المهم أن ينطلق المعهد من مبادئ راسخة في فلسفة التدريب وأهمها وأكثرها جوهرية ألا يكون التدريب تحت تأثير تشريعات إرغامية وإلزامية، وأن تلغى النقاط الخاصة بالتطوير المهني، وأن يصبح التدريب رغبة وثقافة في المؤسسة ويكتفي بأنه أحد العناصر الرئيسية في تقييم أداء المعلم.

كما يفتقر المعهد للعديد من الأدلة التي ينتظرها الميدان التربوي، حيث يجب التركيز بشكل كبير في هذه المرحلة على إعداد الأدلة كافة الخاصة بالتطوير المهني التعليمي في التعليم العام مثل دليل إعداد المدربين في التعليم، ودليل إجرائي للتطوير المهني في المدارس، ودليل اعتماد البرامج والحقائب التدريبية، والعديد من الأدلة الإجرائية التي تخص عمليات التشغيل للجهات المنفذة للتدريب.

وأعظم ما يمكن أن يكون مفيدا في المرحلة الحالية لقيادات المعهد النزول لأرض الواقع وزيارة المدارس وإدارات التعليم، والبدء بالمعالجات الفورية مع شركائهم الحقيقيين لأي تعثر من أرض الميدان التعليمي. فنحن في أي عمل مؤسسي في أي قطاع كان؛ لا نعمل في عالم المثل والافتراضات والاستراتيجيات فحسب، وننسى أن هناك عالما موازيا آخر؛ أكثر تأثيرا وتعقيدا، وهو عالم الواقع والعمل تحت ضغط التجربة، ولن يصدقني مسؤولو المعهد لو أخبرتهم أن هناك برامج تدريبية حضورية الآن مقدمة من المعهد لمديري المدارس تنفذ في غرف فندقية مخصصة للنوم.. هل يمكن أن يصدق ذلك؟؟ نعم لقد حصل ولا يزال يحصل حتى اللحظة.

أخيرا، فإنه في عالم اليوم، وعصر التغيرات التي لا تهدأ ولا تنقطع.. فإن المؤسسات التي لا تنطلق وتبدأ بالشكل الفعال والصحيح، لن يكون لها فرصة أو محاولة أخرى، فمن يفوته القطار لن يجد له مكانا في محطة أخرى. وكما تقول العبارة الشهيرة (إن الأعمال لن تكون كالمعتاد).