الصادق جاد المولى

«الملك فيصل» في قلب أخيه مليكنا سلمان

الثلاثاء - 07 أكتوبر 2025

Tue - 07 Oct 2025

حين نعود إلى الذاكرة السعودية نجد أن بعض المواقف الصغيرة في ظاهرها تختزن رمزية كبرى؛ لم يكن مشهد الملك سلمان وهو يوجه بتغيير اسم «السلمانية» إلى «الفيصلية» مجرد إجراء إداري، كان إعلان وفاء ممتد عبر العقود، وإشارة إلى أن التاريخ لا يمحى وأن الأخ الذي مضى شهيدا يبقى حاضرا في قلب أخيه، ففي تلك اللحظة التي تردد فيها على لسانه «فيصل أخوي» لم تكن العبارة جملة عابرة بقدر ما هي شهادة عاطفية وسياسية معا.

وحينما نرجع إلى الوراء نجد أن الملك فيصل - يرحمه الله - عاش في زمن التحديات الكبرى يوم كان العالم العربي يتلمس طريقه بين مد قومي جارف وضغوط دولية لا ترحم، وهو الذي وقف في حرب أكتوبر 1973 ليستخدم النفط سلاحا استراتيجيا فأعاد إلى العرب شيئا من الكرامة، وترك في ذاكرة السعوديين صورة القائد الذي لا يتردد أمام مصير أمته، أما الملك سلمان - حفظه الله - فقد كان وقتها أميرا شابا للرياض يراقب بعين السياسي الناشئ قرارات أخيه الأكبر ويعرف أن التاريخ يكتب في تلك اللحظة، فالعلاقة بين سلمان وفيصل تتجاوز صلة الدم لتبدو علاقة مدرسة سياسية بأحد تلاميذها النجباء، فالملك فيصل كان رجل الخارج يواجه العالم بخطاب ثابت وحنكة نادرة، والملك سلمان كان رجل الداخل يعيد رسم العاصمة على مقاييس حديثة ويحولها إلى مدينة تحتضن المستقبل، وكذا تشكلت الثنائية فيصل يمد المملكة بجناحها الدولي، وسلمان يرسخ بنيانها الداخلي، ومن هذا التوازي ولد التكامل الذي حفظ للدولة توازنها في أصعب اللحظات.

وحين استشهد فيصل في عام 1975 اهتزت المملكة كما لم تهتز من قبل، وفي خضم تلك الساعات العصيبة كان الأمير سلمان من أوائل الحاضرين إلى الديوان الملكي، حيث ظهرت شخصيته الواثقة في لحظة حزن كبير فأدار المراسم برباطة جأش، وأعطى مثالا على أن الدولة أكبر من الفاجعة، ليرى جيلنا الذي شهد عصر الملك سلمان الزاهر أنه أحد أبرز من حملوا إرث فيصل، لا في القرارات وحدها وإنما في الروح، وفي طريقة الخطاب والدفاع عن القضايا الإسلامية والعربية، وفي الشعور أن المملكة ليست مجرد بلد وإنما موقع مركزي ومحوري في خريطة السياسة والدين والاقتصاد، ولذا حين عاد سلمان بعد عقود ليعيد تسمية مشروع حضري كبير باسم «الفيصلية» فإنه لم يكن يختار لافتة جديدة فحسب بقدر ما كان يستعيد الملك فيصل من ذاكرة التاريخ ليضعه حيا في الحاضر، وخاصة أن كلمة «فيصل أخوي» تحمل في طياتها أكثر من حنين أخ إلى أخيه ورسالة إلى الأجيال تقول إن القادة يصنعون قدوة وإن الأسماء ليست مجرد حروف ولكنها ذاكرة تصوغ الوعي، وكثيرون يتذكرون تلك اللحظة بوصفها درسا في الوفاء ودرسا في أن الملوك لا ينسون من رفع راية الأمة في ساعة مصير.

لذا تجد الملك سلمان اليوم يسير على خطى فيصل بروح مختلفة تناسب زمنا آخر، إذا كان فيصل قد واجه تحديات النفط والحرب الباردة، فإن سلمان يواجه عالما مضطربا بالتحولات الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك يظل الحزم ذاته في المواقف والإيمان نفسه بدور المملكة، وكأن فيصل الحاضر في الذاكرة لم يغادر وإنما استمر في أخيه الذي يقول ببساطة «فيصل أخوي».

وفي سيرة الشعوب ومنها شعبنا العظيم ثمة لحظات تترسخ في الذهن مثل نقش على الحجر ولحظة تغيير اسم السلمانية إلى الفيصلية واحدة من تلك اللحظات، قد تبدو صغيرة في ظاهرها لكنها كاشفة عن روح أمة تبني حاضرها بالوفاء لماضيها، وحين يذكر فيصل في عهد سلمان لا يذكر كذكرى راحلة بقدر ما هو إرث حي يواصل مسيرته عبر أخ أدرك أن الأخوة لا تقاس بالدم وحده وإنما بالوفاء الذي يعبر الزمن.