المملكة تقود الجهود الدولية لتحقيق سلام عادل للفلسطينيين عبر حل الدولتين

الاثنين - 22 سبتمبر 2025

Mon - 22 Sep 2025



منذ بدايات القرن العشرين، تبلورت القضية الفلسطينية لتغدو من أعقد قضايا المنطقة وأكثرها تأثيرا على مستقبل الشرق الأوسط، ومع تزايد الهجرات اليهودية إلى فلسطين إبان الانتداب البريطاني، وتصاعد التوترات والاشتباكات المسلحة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قرارها رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع تدويل القدس.

ورغم أن القرار حظي بتأييد 33 دولة مقابل معارضة 13 وامتناع 10 دول عن التصويت؛ إلا أنه لم يحقق هدفه الأساس؛ لتندلع حروب متعاقبة توسعت خلالها السيطرة الإسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية، وتحولت القضية منذ ذلك الحين إلى محور الصراع العربي - الإسرائيلي ومركز الاهتمام الدولي، بما صاحب ذلك من تداعيات إنسانية واسعة ومواقف دولية متباينة.

وإيمانا من المملكة العربية السعودية بأهمية التوصل إلى مقاربة دولية تثبت الحقوق وتحمي المدنيين والأبرياء، كرست مبكرا مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، واضعة إياها في صدارة أولويات سياستها الخارجية.

المواقف التاريخية المتتابعة لملوك المملكة

ترجمت المملكة مواقفها الثابتة من القضية الفلسطينية إلى أفعال على أرض الواقع، وشاركت في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - في مؤتمر لندن الخاص بفلسطين عام 1939، وأرسلت أبناءها للمشاركة مع القوات العربية في حرب 1948 للذود عن فلسطين، مؤكدة دعمها المتواصل لحقوق الشعب الفلسطيني، والتزمت بنصرة قضيته في المحافل الدولية بوصفها قضية العرب والمسلمين الأولى.

وتواصل الدعم في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي زار فلسطين عام 1935 حين كان وليا للعهد، وحرص خلال فترة حكمه على مساندة الفلسطينيين سياسيا ومعنويا، وتقديم العون للأسر المتضررة، ومنح فرص العمل والإقامة في المملكة، في تجسيد عملي لمبدأ التضامن.

فيما حرص الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - على نقل القضية الفلسطينية إلى الإطار الإسلامي الأشمل، فقد كان من أبرز الداعمين لعقد القمة الإسلامية الأولى بالرباط عام 1969 غداة حريق المسجد الأقصى، حيث شارك في القمة وجعل من القضية الفلسطينية قضية المسلمين جميعا، مؤكدا في اتصالاته الدولية ضرورة حماية القدس وحقوق أهلها.

وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - استمرت المملكة في حشد الدعم العربي والإسلامي، وعملت على توحيد المواقف تجاه مسارات التسوية العادلة.

أما خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - فقد طرح مبادرة للسلام عام 1981، والتي تحولت في «قمة فاس» بالمغرب عام 1982 إلى خطة السلام العربية، محددة إطارا واقعيا للتسوية على أساس قرارات الشرعية الدولية، كما حرص - رحمه الله - على تسخير الإعلام السعودي والعربي لنصرة القضية، وأمر بتقديم الدعم المالي والإنساني والإغاثي عبر قنوات رسمية وشعبية.

وفي 2000، وخلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة، اقترحت المملكة - بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينما كان آنذاك وليا للعهد رحمه الله - إنشاء صندوقي «انتفاضة القدس» و»الأقصى» بقيمة مليار دولار، وتكفلت المملكة بتقديم ربع المبلغ المخصص لهما، فضلا عن تمويل مشاريع تحافظ على هوية القدس ورعاية الأسر المتضررة.

كما طرح - رحمه الله - «المبادرة العربية للسلام» في قمة بيروت عام 2002، التي نصت على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل.

ومع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود استمر الموقف السعودي الراسخ، إذ سميت القمة العربية الـ29 التي استضافتها المملكة في الظهران عام 2018 بـ»قمة القدس»، مجددا - رعاه الله - بذلك مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الأمة، ومؤكدا التزام المملكة بمواصلة الدعم السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني، وأعلنت خلالها المملكة تقديم 150 مليون دولار لدعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كما أكدت المملكة في مختلف المحافل الدولية حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وجددت مواقفها الداعمة باستمرار في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وسائر المنظمات الإقليمية والدولية.

طلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين في 27 سبتمبر 2024، أعلن الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، باسم الدول العربية والإسلامية وعدد من الشركاء الدوليين، إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين» على هامش اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مؤكدا أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حق أصيل للشعب الفلسطيني وأساس لتحقيق السلام، داعيا الدول كافة للاعتراف بفلسطين والانضمام إلى الإجماع الدولي الذي يضم 149 دولة اعترفت بها رسميا.

وجددت المملكة في 28 سبتمبر 2024، خلال جلسة مجلس الأمن بشأن فلسطين، دعوتها للمجتمع الدولي، ولا سيما الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، إلى المضي قدما في الاعتراف بها دعما لحل الدولتين.

وفي 29 سبتمبر 2024 رحبت المملكة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي نص على أن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في المنظمة الدولية، كما رحبت بقرارات عدد من الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكدة أن هذه الخطوات تعزز المسار الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

واستضافت المملكة في 30 أكتوبر 2024 الاجتماع الأول للتحالف بالتعاون مع شركائها، حيث شددت على وقف التصعيد الإسرائيلي، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية، والمضي بخطوات عملية وجداول زمنية محددة تفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية.

وتعززت بذلك الجهود السعودية عبر المسارات الدولية المختلفة؛ فخلال أبريل ومايو 2025 ترأست المملكة العربية السعودية بالشراكة مع جمهورية فرنسا الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن التسوية السلمية بمقر الأمم المتحدة، حيث أنشئت مجموعات عمل متخصصة للإعداد للمؤتمر، وتحديد المخرجات العملية في مجالات الأمن والحدود والاقتصاد واللاجئين والدعم الإنساني.

وفي 17 يونيو 2025 صدر بيان مشترك عن الرئاسة السعودية - الفرنسية وممثلي 19 دولة ومنظمة، عبر عن القلق من التصعيد، ودعا إلى استعادة الهدوء واحترام القانون الدولي.

واعتمد المؤتمر في 28 يوليو 2025 وثيقته الختامية التي نصت على إنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع على أساس حل الدولتين، وإطلاق مسارات دعم اقتصادي وإنساني تضمن توفير الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار، وتمكين مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية من القيام بواجباتها.

وقد توجت هذه الجهود بقرار تاريخي حين أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 سبتمبر 2025 «إعلان نيويورك» المؤيد لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بأغلبية 142 صوتا، ورحبت المملكة بالقرار وعدته تأكيدا على الإجماع الدولي لدعم فلسطين وحقها في إقامة دولتها على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحافزا لمواصلة العمل المشترك.

وتجلى الموقف السعودي بوضوح في كلمة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - في 10 سبتمبر 2025 خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، حيث أكد أن مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2002 أصبحت إطارا دوليا لتحقيق الدولة الفلسطينية، مشيرا إلى أن الجهود السعودية أثمرت عن تزايد الدول المعترفة بفلسطين، وعن حشد غير مسبوق في مؤتمر نيويورك لتنفيذ حل الدولتين.

ولطالما أكدت المملكة العربية السعودية أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حجر الزاوية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن دعم حل الدولتين موقف راسخ منذ عقود، كما تجدد دعوتها لجميع الدول المحبة للسلام إلى الانضمام للتحالف الدولي لتنفيذه، مؤكدة التزامها التاريخي والإنساني والسياسي بمساندة الشعب الفلسطيني، ومواصلة دورها العربي والإسلامي والدولي لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.