نيابة عن الملك.. ولي العهد: نواصل تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام ضمن سعينا المستمر لخدمة المواطن وزيادة دخله
أكد أن توطين الصناعة العسكرية وتسريعها تجاوز 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%
أكد أن توطين الصناعة العسكرية وتسريعها تجاوز 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%
الخميس - 11 سبتمبر 2025
Thu - 11 Sep 2025
نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، افتتح الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس، أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى.
وبعد أن أخذ ولي العهد مكانه في المنصة الرئيسة في القاعة الكبرى، بدأ الحفل المعد لهذه المناسبة، بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
وقد ألقى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الخطاب السنوي، وفيما يلي نصه:
نيابة عن سيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - نفتتح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، سائلين الله تعالى أن يجعل التوفيق سبيلنا والنجاح حليفنا.
الإخوة والأخوات
قامت هذه الدولة منذ ثلاثة قرون على مبادئ راسخة ترتكز على إعلاء الشريعة الإسلامية وإقامة العدل والشورى، وإننا نعتز بهذا النهج المبارك، وأن شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، وهي مسؤولية نوليها كل العناية والاهتمام، ونسخر لها كل طاقاتنا.
الإخوة والأخوات
يمضي اقتصادنا في تنويع مساراته وتأكيد قدرته على تقليص اعتماده على النفط وللمرة الأولى في تاريخنا حققت الأنشطة غير النفطية 56% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ مستويات تتجاوز أربعة ونصف تريليون ريال، كل ذلك وغيره من المنجزات جعلت المملكة مركزا عالميا يستقطب مختلف النشاطات ولعل اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرا إقليميا لها وهو أكثر مما كان مستهدفا لعام 2030؛ يجسد ما تحقق في البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية مما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي وآفاقه المستقبلية الرحبة.
وفي إطار الاستثمارات في التوجهات المستقبلية، فإن الاتفاقات التي تم عقدها في مجال الذكاء الاصطناعي تستكمل جوانبا من حلقة برامج الرؤية لتكون المملكة خلال السنوات المقبلة مركزا عالميا لهذا المجال.
ونعمل في البرامج العسكرية على رفع القدرات الدفاعية إلى أعلى مستويات متقدمة عالميا.
كما أن التعاون مع شركائنا الاستراتيجيين يسهم في تحقيق مستهدفاتنا في توطين الصناعة العسكرية وتسريعها التي وصلت الآن إلى أكثر من 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%.
الإخوة والأخوات
تدرك الدولة أن وجود مالية عامة قوية لا تعتمد على مصدر وحيد متذبذب للإيرادات، هي ضرورة ومطلب أساسي للتنمية والتنويع الاقتصادي المستدام، ومن خلالها تنمو الفرص الوظيفية المتنوعة.
لقد عملت الدولة منذ انطلاق الرؤية لبناء هذا الأساس، مما أكسب بلادنا اقتصادا صلبا جعل منها وجهة للاستثمار، كما تحقق الكثير من الأهداف التي نسعى إليها، ومن ذلك وصول نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها، وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أعلى درجاته، وانخفاض نسبة محدودي الدخل.
في هذا الإطار، نواصل تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام لضمان توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية ضمن سعينا المستمر لخدمة المواطن وزيادة دخله، ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيم والزائر.
إن النمو الاقتصادي القوي الذي تعيشه المملكة اليوم صاحبه ارتفاع في أسعار العقار السكني في بعض مناطق المملكة إلى مستويات غير مقبولة، مما أدى إلى بعض التشوهات في القطاع وتسببها في ارتفاع متوسط تكلفة السكن بالنسبة إلى دخل المواطن، مما استدعى العمل إلى وضع سياسات تعيد توازن هذا القطاع بما يخفض كلفة العقار، ويشجع على الاستثمار في التطوير العقاري، ويتيح خيارات مناسبة ومتعددة للمواطنين والمستثمرين.
لقد أظهرت المرحلة السابقة قدرة القطاع العام والخاص على مواجهة التحديات والتأقلم السريع مع تغير الظروف، كما كان لجودة الأداء الحكومي دور بارز في امتصاص الصدمات الاقتصادية ومرونة ومراجعة مسار برامج وتحويرها ومكوناتها لتكون أكثر مناعة ضد أي تقلبات دون تعطيل متطلبات التنمية.
إن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي نتوخاه من تلك البرامج والمستهدفات. ونحن عازمون - بحول الله وقوته - على تحقيقها وإكمالها. إلا أننا نؤكد أيضا أننا لن نتردد في إلغاء أو إجراء أي تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات تبين لنا أن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
الإخوة والأخوات
إن إنجازاتنا الداخلية تسير جنبا إلى جنب مع مساعينا لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ونحن نرفض وندين اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة وآخرها العدوان الغاشم على دولة قطر الشقيقة الذي يتطلب تحركا عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة هذا العدوان، واتخاذ إجراءات دولية لإيقاف سلطة الاحتلال وردعها عن ممارساتها الإجرامية في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها. سنكون مع دولة قطر الشقيقة في كل ما تتخذه من إجراءات بلا حد، ونسخر كل إمكانياتنا لذلك.
كما ندين استمرار الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة والإمعان في ارتكاب جرائم التجويع والتهجير القسري.
أرض غزة فلسطينية وحق أهلها ثابت لا ينتزعه عدوان ولا تلغيه تهديدات، وموقفنا ثابت هو حماية الحق والعمل الجاد لمنع انتهاكاته.
إن مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2002 وقمنا بتفعيلها دوليا عبر منظور حل الدولتين، تشكل اليوم مسارا غير مسبوق لتحقيق الدولة الفلسطينية. لقد أثمرت جهود المملكة المكثفة في تزايد عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، وما حققه المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين في نيويورك من حشد لم يسبق له مثيل يعزز التوافق الدولي من أجل تنفيذ هذه المبادرة. وإذ نشكر كل الشركاء الإقليميين والدوليين المشاركين على إسهاماتهم الإنسانية الفعالة، نكرر الدعوة للدول الأخرى للمشاركة في هذه المرحلة.
وفي الشأن السوري، اتخذت المملكة مواقف محورية ونفذت مبادرات متعددة، بدءا من النجاح في رفع العقوبات الدولية عن سوريا الشقيقة، ومساندة جهودها لضمان وحدة أراضيها وإعادة بناء اقتصادها. ونأمل أن يتحقق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان.
الإخوة والأخوات
إن لمجلس الشورى بصمة واضحة ودورا مهما فيما يتحقق من إنجازات من خلال إسهامهم في تطوير الأنظمة واستكمال المنظومة التشريعية وتحديثها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة تشريعيا.
وفي الختام، نشير إلى أن ما نعمل عليه ونصبو إليه عماده رفعة المواطن وتقدم بلادنا الغالية في مختلف المجالات.
وقد سبق كلمة ولي العهد أن ألقى رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الكلمة التالية:
«يسرني أن أرحب بكم في هذا اليوم المبارك الذي يشرف فيه مجلس الشورى بحضوركم وتفضلكم بإلقاء الخطاب السنوي وافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، فأهلا وسهلا بكم في مجلس الشورى.
أود أن أتقدم بالشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولسموكم الكريم - حفظكما الله - على كل ما تولونه من حرص واهتمام بمجلس الشورى وعلى توجيهاتكم السديدة فيما يتصل بأعمال السلطة التنظيمية وتجويد مخرجاتها التنظيمية والرقابية، حيث كان لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسموكم الكريم الدور الكبير في إنجاز مجلس الشورى لمهامه وأعماله، وممارسته لاختصاصاته ـ التي يشرف بحملها وأدائها ـ وصولا إلى المستوى الذي يلبي الطموحات ويحقق التطلعات.
إن مجلس الشورى في سعي دائم لمواكبة عجلة التنمية وفق رؤية المملكة 2030 المباركة من أجل تحقيق تطلعات القيادة الرشيدة التي آمنت بدوره ومنحته رعايتها الكاملة، وهو في هذا اليوم يسعد بتشريفكم، ليبدأ مشوارا جديدا من العمل والعطاء لأعمال سنته الثانية من دورته التاسعة بعد أن شهدت سنته الأولى إنجاز العديد من الموضوعات التي خرجت بعد اجتماعات مكثفة،
ودراسات كافية، وجهود متواصلة، حيث صدر عن مجلس الشورى خلال السنة الأولى من الدورة التاسعة 462 قرارا، منها: 180 قرارا تتعلق بالتقارير السنوية للأجهزة الحكومية، و55 قرارا تتعلق بالأنظمة واللوائح، و225 قرارا تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم، كما أن ما يلقاه مجلس الشورى من دعم واهتمام من القيادة الرشيدة - أيدها الله - قد أكسب المجلس مكانة كبيرة وتأثيرا فاعلا في العديد من المنظمات والمؤتمرات البرلمانية الإقليمية والدولية، مما أسهم في التعريف بجهود المملكة ومواقفها، وإبراز مكانتها، والدفاع عنها، وخدمة قضاياها في الاجتماعات والمحافل البرلمانية المختلفة.
وفي الختام، أجدد الترحيب بسموكم الكريم وأنتم تتفضلون بإلقاء الخطاب السنوي الذي يعد نبراسا يستضيء به الجميع بما يتضمنه من توجيهات سامية ورؤى سديدة، مكررا الشكر لكم يا على هذه الرعاية الكريمة، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسموكم الكريم، وأن يديم على بلادنا ما تنعم به من خير واستقرار، إنه سميع مجيب».
عقب ذلك عزف السلام الملكي، ثم غادر ولي العهد مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم.
مضامين الخطاب الملكي
1. تؤكد المملكة ثباتها على مبادئ راسخة منذ ثلاثة قرون، قوامها الشريعة الإسلامية وإقامة العدل والشورى، بما يعكس أصالة نهجها واستمرارية مسيرتها.
2. تجدد القيادة التزامها الراسخ بخدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن، باعتبارها مسؤولية تاريخية وشرفا عظيما تفخر المملكة بالقيام به.
3. تعكس زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 56% من الناتج المحلي الإجمالي استمرار نجاح مسيرة التنويع الاقتصادي في المملكة والاستثمار في القطاعات الواعدة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
4. اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرا رئيسا لها يجسد مكانتها كمركز اقتصادي عالمي، ويعكس الثقة المتنامية في قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وبيئة الأعمال وجودة البنية التحتية والخدمات التقنية.
5. المملكة تتجه لتكون مركزا عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يعزز تنافسيتها وريادتها في التقنيات المستقبلية وجهودها لتنويع الاقتصاد والاستثمار في القطاعات الواعدة.
6. حرص المملكة على تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام يعكس التزامها بتوجيه الموارد ورفع كفاءة الإنفاق نحو الأولويات الوطنية وجهود تنويع الاقتصاد وتعزيز جودة الحياة.
7. أظهرت التجارب السابقة قدرة القطاع العام والخاص على مواجهة التحديات بكفاءة ومرونة ونجاح الإصلاحات الاقتصادية ومبادرات رؤية السعودية 2030، مما يعزز الثقة بقدرة المملكة على تهيئة المستقبل.
8. تؤكد المملكة أن المصلحة العامة هي البوصلة التي تقود كل برامجها وقراراتها، ولن تتردد في تعديل أو تطوير أي سياسات بما يحقق الخير للشعب ويحفظ الصالح العام.
9. تعمل المملكة على ترسيخ قاعدة إنتاجية وطنية متكاملة ومستقلة، قادرة على تلبية متطلبات التنمية الشاملة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما يضمن تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي المستدام.
10. تعتبر السعودية أمن قطر جزءا من أمن المملكة والعكس، وأن الاعتداء على الدوحة هو اعتداء على أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يستدعي العمل على ردع مثل تلك الاعتداءات السافرة بكل السبل السياسية والقانونية بما يكفل عدم تكرارها تحت أي سبب أو أي ذريعة.
11. التجاوزات الإسرائيلية السافرة والصارخة تجاه الدول العربية والتي كان آخرها ضد دولة قطر الشقيقة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا الكيان الغاصب وغير الشرعي لا يلقي بالا للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وهو ما يستوجب توحيد كل الجهود لحمل هذا الكيان للامتثال للقانون الدولي.
12. تدعم السعودية دولة قطر الشقيقة في كل الإجراءات والتدابير التي تعتزم اتخاذها لحماية سيادتها وأمنها الوطني بما يمنع تكرار مثل هذا العمل العدواني الغاشم ويرسل رسالة واضحة على وحدة المصير المشترك بين البلدين والشعبين.
13. لعبت السعودية بقيادة ولي العهد دورا حاسما في إتمام عقد المؤتمر الدولي الخاص بالقضية الفلسطينية على الرغم من كل المحاولات التي كانت تسعى لعرقلته؛ لتؤكد على سيادية قرارها الوطني وموقفها الداعم للحق الفلسطيني/ إذ سبق لها أن أسست واستضافت الاجتماع الرفيع للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين في أكتوبر 2024م.
14. كانت وما زالت وستظل القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة وقيادتها هي القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين، وما الدور الذي لعبه ولي العهد خلال السنوات الماضية وقيادته الجهود العربية والإسلامية والدولية إلا خبر شاهد على ما يوليه من اهتمام بالغ بالموضوع الفلسطيني.
15. ما تحظى به القضية الفلسطينية في هذا الوقت من إجماع دولي جاء نتيجة الدور المحوري الذي قامت به المملكة خلال السنوات الماضية، ودعوتها ومساعيها المتواصلة لحث دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بوصفه السبيل الأمثل للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ الالتزامات الدولية في هذا الصدد.
16. قادت السعودية جهدا دبلوماسيا نشطا لدعوة الأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، وقد تكللت جهودها بإعلان الرئيس الأمريكي رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، تلبية لطلب من ولي العهد.
17. رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بوساطة سعودية سيسهم في تعزيز أمن واستقرار سوريا وإنجاح العملية الانتقالية، ودعم الحكومة السورية في التصدي لما تواجهه من تحديات اقتصادية والإسهام في رفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق.
18. تؤكد المملكة أملها في أن يتحقق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان، وقد حرصت على الدعوة للحوار والدبلوماسية وبذلت جهودا متواصلة لدعم مساعي السلام بما يضمن أمن شعوبها واستقرار المنطقة.
19. مجلس الشورى يحظى بدور محوري في تطوير الأنظمة وتحديثها لدعم مسيرة التنمية في المملكة، ما جعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة تشريعيا وتنظيميا.
20. ترتكز جهود المملكة وأهدافها الاستراتيجية على رفعة المواطن وتمكينه، وتعزيز تقدم الوطن وازدهاره، بما يحقق تنمية شاملة ومستدامة تضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة.
وبعد أن أخذ ولي العهد مكانه في المنصة الرئيسة في القاعة الكبرى، بدأ الحفل المعد لهذه المناسبة، بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
وقد ألقى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الخطاب السنوي، وفيما يلي نصه:
نيابة عن سيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - نفتتح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، سائلين الله تعالى أن يجعل التوفيق سبيلنا والنجاح حليفنا.
الإخوة والأخوات
قامت هذه الدولة منذ ثلاثة قرون على مبادئ راسخة ترتكز على إعلاء الشريعة الإسلامية وإقامة العدل والشورى، وإننا نعتز بهذا النهج المبارك، وأن شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، وهي مسؤولية نوليها كل العناية والاهتمام، ونسخر لها كل طاقاتنا.
الإخوة والأخوات
يمضي اقتصادنا في تنويع مساراته وتأكيد قدرته على تقليص اعتماده على النفط وللمرة الأولى في تاريخنا حققت الأنشطة غير النفطية 56% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ مستويات تتجاوز أربعة ونصف تريليون ريال، كل ذلك وغيره من المنجزات جعلت المملكة مركزا عالميا يستقطب مختلف النشاطات ولعل اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرا إقليميا لها وهو أكثر مما كان مستهدفا لعام 2030؛ يجسد ما تحقق في البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية مما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي وآفاقه المستقبلية الرحبة.
وفي إطار الاستثمارات في التوجهات المستقبلية، فإن الاتفاقات التي تم عقدها في مجال الذكاء الاصطناعي تستكمل جوانبا من حلقة برامج الرؤية لتكون المملكة خلال السنوات المقبلة مركزا عالميا لهذا المجال.
ونعمل في البرامج العسكرية على رفع القدرات الدفاعية إلى أعلى مستويات متقدمة عالميا.
كما أن التعاون مع شركائنا الاستراتيجيين يسهم في تحقيق مستهدفاتنا في توطين الصناعة العسكرية وتسريعها التي وصلت الآن إلى أكثر من 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%.
الإخوة والأخوات
تدرك الدولة أن وجود مالية عامة قوية لا تعتمد على مصدر وحيد متذبذب للإيرادات، هي ضرورة ومطلب أساسي للتنمية والتنويع الاقتصادي المستدام، ومن خلالها تنمو الفرص الوظيفية المتنوعة.
لقد عملت الدولة منذ انطلاق الرؤية لبناء هذا الأساس، مما أكسب بلادنا اقتصادا صلبا جعل منها وجهة للاستثمار، كما تحقق الكثير من الأهداف التي نسعى إليها، ومن ذلك وصول نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها، وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أعلى درجاته، وانخفاض نسبة محدودي الدخل.
في هذا الإطار، نواصل تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام لضمان توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية ضمن سعينا المستمر لخدمة المواطن وزيادة دخله، ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيم والزائر.
إن النمو الاقتصادي القوي الذي تعيشه المملكة اليوم صاحبه ارتفاع في أسعار العقار السكني في بعض مناطق المملكة إلى مستويات غير مقبولة، مما أدى إلى بعض التشوهات في القطاع وتسببها في ارتفاع متوسط تكلفة السكن بالنسبة إلى دخل المواطن، مما استدعى العمل إلى وضع سياسات تعيد توازن هذا القطاع بما يخفض كلفة العقار، ويشجع على الاستثمار في التطوير العقاري، ويتيح خيارات مناسبة ومتعددة للمواطنين والمستثمرين.
لقد أظهرت المرحلة السابقة قدرة القطاع العام والخاص على مواجهة التحديات والتأقلم السريع مع تغير الظروف، كما كان لجودة الأداء الحكومي دور بارز في امتصاص الصدمات الاقتصادية ومرونة ومراجعة مسار برامج وتحويرها ومكوناتها لتكون أكثر مناعة ضد أي تقلبات دون تعطيل متطلبات التنمية.
إن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي نتوخاه من تلك البرامج والمستهدفات. ونحن عازمون - بحول الله وقوته - على تحقيقها وإكمالها. إلا أننا نؤكد أيضا أننا لن نتردد في إلغاء أو إجراء أي تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات تبين لنا أن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
الإخوة والأخوات
إن إنجازاتنا الداخلية تسير جنبا إلى جنب مع مساعينا لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. ونحن نرفض وندين اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة وآخرها العدوان الغاشم على دولة قطر الشقيقة الذي يتطلب تحركا عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة هذا العدوان، واتخاذ إجراءات دولية لإيقاف سلطة الاحتلال وردعها عن ممارساتها الإجرامية في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها. سنكون مع دولة قطر الشقيقة في كل ما تتخذه من إجراءات بلا حد، ونسخر كل إمكانياتنا لذلك.
كما ندين استمرار الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة والإمعان في ارتكاب جرائم التجويع والتهجير القسري.
أرض غزة فلسطينية وحق أهلها ثابت لا ينتزعه عدوان ولا تلغيه تهديدات، وموقفنا ثابت هو حماية الحق والعمل الجاد لمنع انتهاكاته.
إن مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2002 وقمنا بتفعيلها دوليا عبر منظور حل الدولتين، تشكل اليوم مسارا غير مسبوق لتحقيق الدولة الفلسطينية. لقد أثمرت جهود المملكة المكثفة في تزايد عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، وما حققه المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين في نيويورك من حشد لم يسبق له مثيل يعزز التوافق الدولي من أجل تنفيذ هذه المبادرة. وإذ نشكر كل الشركاء الإقليميين والدوليين المشاركين على إسهاماتهم الإنسانية الفعالة، نكرر الدعوة للدول الأخرى للمشاركة في هذه المرحلة.
وفي الشأن السوري، اتخذت المملكة مواقف محورية ونفذت مبادرات متعددة، بدءا من النجاح في رفع العقوبات الدولية عن سوريا الشقيقة، ومساندة جهودها لضمان وحدة أراضيها وإعادة بناء اقتصادها. ونأمل أن يتحقق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان.
الإخوة والأخوات
إن لمجلس الشورى بصمة واضحة ودورا مهما فيما يتحقق من إنجازات من خلال إسهامهم في تطوير الأنظمة واستكمال المنظومة التشريعية وتحديثها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة تشريعيا.
وفي الختام، نشير إلى أن ما نعمل عليه ونصبو إليه عماده رفعة المواطن وتقدم بلادنا الغالية في مختلف المجالات.
وقد سبق كلمة ولي العهد أن ألقى رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الكلمة التالية:
«يسرني أن أرحب بكم في هذا اليوم المبارك الذي يشرف فيه مجلس الشورى بحضوركم وتفضلكم بإلقاء الخطاب السنوي وافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، فأهلا وسهلا بكم في مجلس الشورى.
أود أن أتقدم بالشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولسموكم الكريم - حفظكما الله - على كل ما تولونه من حرص واهتمام بمجلس الشورى وعلى توجيهاتكم السديدة فيما يتصل بأعمال السلطة التنظيمية وتجويد مخرجاتها التنظيمية والرقابية، حيث كان لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسموكم الكريم الدور الكبير في إنجاز مجلس الشورى لمهامه وأعماله، وممارسته لاختصاصاته ـ التي يشرف بحملها وأدائها ـ وصولا إلى المستوى الذي يلبي الطموحات ويحقق التطلعات.
إن مجلس الشورى في سعي دائم لمواكبة عجلة التنمية وفق رؤية المملكة 2030 المباركة من أجل تحقيق تطلعات القيادة الرشيدة التي آمنت بدوره ومنحته رعايتها الكاملة، وهو في هذا اليوم يسعد بتشريفكم، ليبدأ مشوارا جديدا من العمل والعطاء لأعمال سنته الثانية من دورته التاسعة بعد أن شهدت سنته الأولى إنجاز العديد من الموضوعات التي خرجت بعد اجتماعات مكثفة،
ودراسات كافية، وجهود متواصلة، حيث صدر عن مجلس الشورى خلال السنة الأولى من الدورة التاسعة 462 قرارا، منها: 180 قرارا تتعلق بالتقارير السنوية للأجهزة الحكومية، و55 قرارا تتعلق بالأنظمة واللوائح، و225 قرارا تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم، كما أن ما يلقاه مجلس الشورى من دعم واهتمام من القيادة الرشيدة - أيدها الله - قد أكسب المجلس مكانة كبيرة وتأثيرا فاعلا في العديد من المنظمات والمؤتمرات البرلمانية الإقليمية والدولية، مما أسهم في التعريف بجهود المملكة ومواقفها، وإبراز مكانتها، والدفاع عنها، وخدمة قضاياها في الاجتماعات والمحافل البرلمانية المختلفة.
وفي الختام، أجدد الترحيب بسموكم الكريم وأنتم تتفضلون بإلقاء الخطاب السنوي الذي يعد نبراسا يستضيء به الجميع بما يتضمنه من توجيهات سامية ورؤى سديدة، مكررا الشكر لكم يا على هذه الرعاية الكريمة، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسموكم الكريم، وأن يديم على بلادنا ما تنعم به من خير واستقرار، إنه سميع مجيب».
عقب ذلك عزف السلام الملكي، ثم غادر ولي العهد مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم.
مضامين الخطاب الملكي
1. تؤكد المملكة ثباتها على مبادئ راسخة منذ ثلاثة قرون، قوامها الشريعة الإسلامية وإقامة العدل والشورى، بما يعكس أصالة نهجها واستمرارية مسيرتها.
2. تجدد القيادة التزامها الراسخ بخدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن، باعتبارها مسؤولية تاريخية وشرفا عظيما تفخر المملكة بالقيام به.
3. تعكس زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 56% من الناتج المحلي الإجمالي استمرار نجاح مسيرة التنويع الاقتصادي في المملكة والاستثمار في القطاعات الواعدة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
4. اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرا رئيسا لها يجسد مكانتها كمركز اقتصادي عالمي، ويعكس الثقة المتنامية في قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وبيئة الأعمال وجودة البنية التحتية والخدمات التقنية.
5. المملكة تتجه لتكون مركزا عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يعزز تنافسيتها وريادتها في التقنيات المستقبلية وجهودها لتنويع الاقتصاد والاستثمار في القطاعات الواعدة.
6. حرص المملكة على تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام يعكس التزامها بتوجيه الموارد ورفع كفاءة الإنفاق نحو الأولويات الوطنية وجهود تنويع الاقتصاد وتعزيز جودة الحياة.
7. أظهرت التجارب السابقة قدرة القطاع العام والخاص على مواجهة التحديات بكفاءة ومرونة ونجاح الإصلاحات الاقتصادية ومبادرات رؤية السعودية 2030، مما يعزز الثقة بقدرة المملكة على تهيئة المستقبل.
8. تؤكد المملكة أن المصلحة العامة هي البوصلة التي تقود كل برامجها وقراراتها، ولن تتردد في تعديل أو تطوير أي سياسات بما يحقق الخير للشعب ويحفظ الصالح العام.
9. تعمل المملكة على ترسيخ قاعدة إنتاجية وطنية متكاملة ومستقلة، قادرة على تلبية متطلبات التنمية الشاملة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما يضمن تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي المستدام.
10. تعتبر السعودية أمن قطر جزءا من أمن المملكة والعكس، وأن الاعتداء على الدوحة هو اعتداء على أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يستدعي العمل على ردع مثل تلك الاعتداءات السافرة بكل السبل السياسية والقانونية بما يكفل عدم تكرارها تحت أي سبب أو أي ذريعة.
11. التجاوزات الإسرائيلية السافرة والصارخة تجاه الدول العربية والتي كان آخرها ضد دولة قطر الشقيقة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا الكيان الغاصب وغير الشرعي لا يلقي بالا للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وهو ما يستوجب توحيد كل الجهود لحمل هذا الكيان للامتثال للقانون الدولي.
12. تدعم السعودية دولة قطر الشقيقة في كل الإجراءات والتدابير التي تعتزم اتخاذها لحماية سيادتها وأمنها الوطني بما يمنع تكرار مثل هذا العمل العدواني الغاشم ويرسل رسالة واضحة على وحدة المصير المشترك بين البلدين والشعبين.
13. لعبت السعودية بقيادة ولي العهد دورا حاسما في إتمام عقد المؤتمر الدولي الخاص بالقضية الفلسطينية على الرغم من كل المحاولات التي كانت تسعى لعرقلته؛ لتؤكد على سيادية قرارها الوطني وموقفها الداعم للحق الفلسطيني/ إذ سبق لها أن أسست واستضافت الاجتماع الرفيع للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين في أكتوبر 2024م.
14. كانت وما زالت وستظل القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة وقيادتها هي القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين، وما الدور الذي لعبه ولي العهد خلال السنوات الماضية وقيادته الجهود العربية والإسلامية والدولية إلا خبر شاهد على ما يوليه من اهتمام بالغ بالموضوع الفلسطيني.
15. ما تحظى به القضية الفلسطينية في هذا الوقت من إجماع دولي جاء نتيجة الدور المحوري الذي قامت به المملكة خلال السنوات الماضية، ودعوتها ومساعيها المتواصلة لحث دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بوصفه السبيل الأمثل للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ الالتزامات الدولية في هذا الصدد.
16. قادت السعودية جهدا دبلوماسيا نشطا لدعوة الأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، وقد تكللت جهودها بإعلان الرئيس الأمريكي رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، تلبية لطلب من ولي العهد.
17. رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بوساطة سعودية سيسهم في تعزيز أمن واستقرار سوريا وإنجاح العملية الانتقالية، ودعم الحكومة السورية في التصدي لما تواجهه من تحديات اقتصادية والإسهام في رفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق.
18. تؤكد المملكة أملها في أن يتحقق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان، وقد حرصت على الدعوة للحوار والدبلوماسية وبذلت جهودا متواصلة لدعم مساعي السلام بما يضمن أمن شعوبها واستقرار المنطقة.
19. مجلس الشورى يحظى بدور محوري في تطوير الأنظمة وتحديثها لدعم مسيرة التنمية في المملكة، ما جعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة تشريعيا وتنظيميا.
20. ترتكز جهود المملكة وأهدافها الاستراتيجية على رفعة المواطن وتمكينه، وتعزيز تقدم الوطن وازدهاره، بما يحقق تنمية شاملة ومستدامة تضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة.