إثراء، أم نقاش، أم حوار، أم جدال؟ أم مراء؟
الخميس - 04 سبتمبر 2025
Thu - 04 Sep 2025
أتعجب كثيرا ممن يستميت في إقناع الآخرين برأيه في أن السياحة في دول أوروبا الشرقية أفضل من السياحة في دول شرق آسيا أو العكس.
أفهم هذه الاستماتة عندما يكون الجدال بين شخصين يملك أحدهما شركة سياحية في إحدى دول أوروبا الشرقية، ويملك الآخر شركة سياحية في إحدى دول شرق آسيا، هنا يكون للحماس منطق ومبرر بغض النظر عن صحة وجهة النظر هذه أو تلك، لكن عندما يكون الحوار بين شخصين فقط لأن أحدهما زار دولة في هذه المنطقة والآخر زار دولة في المنطقة الأخرى هنا يأخذك العجب كل مأخذ، وأتساءل بعد مضي ساعات من الأخذ والرد، وسوق الأدلة والبراهين، لو استطاع أحدهما إقناع الآخر برأيه يا ترى ما الذي سيتغير في هذا الكون؟ أو ما الذي سيجنيه المنتصر في هذا الجدال؟ لا أرى فائدة تذكر سوى الانتصار للنفس والشعور بالزهو، والتظاهر بالمعرفة التي لا ثمرة منها.
الجدل العقيم الذي إذا حررت محل النزاع فيه لا تجد فائدة يمكن جنيها منه تركه أفضل، وتستطيع أن تعلن هنا أن (الانسحاب طيب)، والحفاظ على طاقتك ووقتك وأعصابك أهم وأولى، بل ليس هناك مقارنة أصلا بين الدخول في هذا الجدال أو تركه.
ما أجمل أن يكون كلامنا مع الآخرين مثريا في اكتساب معلومة جديدة أو نقل خبرة أو تجربة يستفيد منها السامع أو إضافة تسجلها في صفحات حياتك، فإذا وجدت صديقا بهذا الوصف فاعتبره كنزا تتمسك به وتكثف من اللقاءات به.
من الجميل أن يكون كلامنا مع الآخرين نقاشا في مسائل قد لا تتفق فيها الآراء، وفي جزئيات عادي جدا أن يكون فيها لكل شخص وجهة نظره الخاصة، هنا اعرض وجهة نظرك وسق ما شئت من الأدلة والبراهين عليها واسمع من الطرف الآخر ما يحب أن يقوله لك، ثم تضع أنت وهو نقطة نهاية ويغلق الموضوع، دون بذل المزيد من الجهد والطاقة في الإعادة والتكرار.
ومن الجيد أن تحاور الآخرين في قضايا أكبر واختلافات أعمق، فإن الحوار وسماع آراء الآخرين يضيف لك بعدا آخر في الفهم والوعي والإدراك، وربما تجد مستويات أعلى من الفهم العميق لموضوع كانت معلوماتك فيه محدودة أو ليست بالقدر الكافي لتذهب فيها بعيدا، ويبقى الاحترام والتقدير وحفظ الحقوق وأدب الحوار سيد الموقف بينك وبين من تحاوره.
أعتقد إلى هذا المستوى ثم تتوقف، فلا مبرر لما هو أكثر من ذلك، وإن دعتك فائدة قد لاحت لك في الأفق لتنتقل للمستوى الأعلى من الحوار فتذكر أن الخسائر أكبر، والمضار أكبر أمام تلك الفائدة، ودفع المضار مقدم على جلب الفوائد.
فعندنا يتحول الحوار إلى جدال عقيم وتكرار للأفكار وعدم استماع للرأي الآخر، أو الإنصات أثناء حديث الطرف الآخر لا للفهم وإنما لترتيب فكرة في ذهنك للرد عليه دون استيعاب ما يقول؛ هنا توقف تماما عن مواصلة الحديث وحافظ على عقلك وطاقتك.
أما إذا وصل الكلام لمستوى المراء ومحاولة إثبات باطل، أو الدفاع عن فكرة لا يختلف العقلاء على سوئها أو لمست في الجدال اتباع هوى النفس أو شيئا من هذا القبيل فامتثل أمر نبيك صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا...). فترك الجدال خلاف أنه في صالح صحتك ونفسيتك وأعصابك وعقلك وعدد ما شئت من الفوائد هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فاحتسبوا الأجر في أنفسكم رحمكم الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله.