اللقافة.. ثقافة
الثقافة لا تعني فقط المكتسبات الحسنة، وقد تكون معطيات أحد المجتمعات متردية بكل المعاني، ولكنها تظل ثقافته!
الثقافة لا تعني فقط المكتسبات الحسنة، وقد تكون معطيات أحد المجتمعات متردية بكل المعاني، ولكنها تظل ثقافته!
الأربعاء - 05 مارس 2014
Wed - 05 Mar 2014
الثقافة لا تعني فقط المكتسبات الحسنة، وقد تكون معطيات أحد المجتمعات متردية بكل المعاني، ولكنها تظل ثقافته!.
واللقافة مأخوذة من رَجُل لَقِفٌ: حَاذِقٌ، سَرِيعُ الْفَهْمِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنَ الْكَلاَمِ.
ولقِفَ يَلقَف، لَقْفًا ولَقَفانًا، فهو لاقف، والمفعول مَلْقوف.
وفي عصرنا هذا أعطي لقب «الملقوف» لكل من يبحث عن معلومة ليس من الضروري أن يعرفها، ولو كانت المعلومة مفيدة بناءة لهان الأمر ولما اعتبر ملقوفاً، ولكن الحقيقة تؤكد بأنه قد جُبِل على عشق الخبايا، والدسائس، وأنه يُجهد نفسه، ويهدر وقته وماله لمعرفة السَواهي، وخصوصاً لو كانت دّواهي تظهره بدور المُطلع المُصلح المُنقذ.
واللقافة سِمة قد تظهر على الفرد أو الجماعة بشكل فضول يلازم صاحبه منذ الصغر، وربما يتنامى إلى مرحلة التطفل، ثم إلى شبه الوسواس القهري، وهي تختلف كلية عن البحث الحميد عن المعلومة العلمية، وسبر عجائب وغموض الكون.
ومن عجبٍ أن يكون لدى الملقوف طاقات عقلية عظيمة فيهدرها فيما لا ينفع، بل فيما يجعله مشوهاً بأنف تجذبه نتانة الشقوق المعتمة.
وجزء كبير من مجتمعنا مصاب بهذا العرض، وبقوة، فما إن يحدث شجار، أو حادث، أو حريق، حتى تجد من يهجرون سياراتهم على قارعة الطريق، ويهرعون حفاة مهرولين لمركز الحدث، كمدمنين وجدوا أمامهم جرعة مجانية.
وعندما تسأل أحدهم عن هدفه يضحك من لقافتك!.
فالجميع من وجهة نظره يتنافسون في ذلك!.
كم من سيارة إسعاف أو شرطة لا تجد طريقها، كم من مصاب يُقتل بتحريكه بجهل، كم من ستر يفضح، كم من ضرر يتعاظم في الفوضى، كم من دعوة مظلوم.
ويمر السائق بجانب الحادث ببطء شديد يتفحص التفاصيل!.
فأين تكمن المعضلة، ولماذا يزيد ذلك في شعب عن شعب، وفئة عن فئة، وشخص عن شخص.
والجواب أنها عبارة عن ثقافة من يعيش منغلقاً مهمشاً لا يرى أن له دوراً في حياةِ من حوله، فيحاول الحصول على ذلك في بؤرة ساخنة، والبعض يشعر بأن مخزون معلوماته غير كاف ليقارع به أنداده، فيبحث عن المعلومة الطازجة ليتميز بها رغم تفاهتها.
والبعض يرى أنه لم يكن فاعلاً في مجتمعه، لا في فريق كشفي، ولا تطوعي، ولا رياضي، ولا عمل اجتماعي، فيبحث عن ذلك في أي حدث خارج عن المألوف، والبعض يستخدم النصيحة بأسواء أحوالها، فيناصح الجموع في شتات الحدث المبعثر، ليعلن عن كمال دينه ورزانته بين من يكونون في حالة حرج لا يعلم بها إلا الله.
والملاقيف اليوم، لم يعودوا مجرد حكواتية باللسان، بل أصبحوا مزودين بكاميرات هاتفية متطورة، تلتقط لهم حذافير المشهد، ولديهم منابر تواصل اجتماعي، يقومون بنشر لقافتهم فيها، على العالم، فتُهان الأعراض، وتُفتضح الأسرار، وتشوه الصور، وتنعكس المعاني، ثم يصرخ أحدهم لتأطير لقافته بعقلانية مفتعلة: الله يسترنا في الدنيا والآخرة!.