غزل اليزيدي

الأحزاب السياسية الأمريكية، ما بين المشاركة الفعالة أو الصامتة

الاثنين - 23 ديسمبر 2024

Mon - 23 Dec 2024

تستحوذ الأحداث السياسية الأمريكية على الانتباه حول العالم، وعند الحديث عنها فلا بد من الإشارة للحزبين الرئيسين على الساحة، وهما الحزب الجمهوري والديموقراطي، حيث يهيمن هذان الحزبان على الأحداث السياسية في جميع المؤسسات، هذا التنافس ممتد منذ خمسينات القرن التاسع عشر، تأتي شهرة هذين الحزبين من بين 235 حزبا، منها 53 معترفا به من جميع الولايات، أما الباقي فمعترف به في بعضها.

الجدير بالذكر أن الدستور الأمريكي عند إنشائه من قبل الآباء المؤسسين لم يتطرق لفكرة إنشاء الأحزاب أو دعمها، وهذا ما نصت عليه الأوراق الفيدرالية للدستور، وهي 85 مقالا كُتبت عام 1787م من كل من ألكسندر هاميلتون، جون جاي، وجيمس ماديسون الابن، لاحقا الرئيس الرابع، لإعطاء فكرة أوضح عن الدستور للتصديق عليه.

كما عارض أول رئيس جورج واشنطن فكرة الأحزاب ولم ينضم لها، وعُرف عنه مناداته بعدم إنشاء الأحزاب تفاديا لأي مشاكل أو انقسامات شعبية، وحرص على ذلك حتى في آخر خطاباته الرئاسية، إلا أنه وبالرغم من ذلك نشأت الأحزاب الأولى ضمن دائرة مستشاريه، وهما هاملتون وماديسون واللذان شددا، عند كتابة الدستور، على سلبيات إنشاء الأحزاب، حيث أدى الاختلاف في وجهات النظر لمؤسسي الدولة الناشئة للانقسام بينهم، فاتجه هاملتون لتولي إدارة المؤسسات الحكومية الفيدرالية التي ساهم في تأسيسها، وتعتبر تابعة لحزب الدولة الفيدرالي (Federalist Party) أو الاتحادي، أول الأحزاب أو المجموعة التي تأسست لإدارة الدولة عام 1792، بينما اتجه توماس جيفرسون، لاحقا الرئيس الثالث، وماديسون مع مجموعة الجمهوريين الديموقراطيين الذين تمكنوا من هزيمة الحزب الفيدرالي في انتخابات عام 1800م، ونتيجة لتتابع خسارته في الانتخابات تم حل الحزب الفيدرالي عام 1824م، ومن هنا كانت البداية الأولى لتأسيس الأحزاب.

يعتبر الحزب الجمهوري الديموقراطي من أوائل الأحزاب، نشأ في تسعينات القرن الثامن عشر، وعُرف باسم الحزب الجيفرسوني نسبة لمؤسسه الروحي توماس جيفرسون، وهو أحد الآباء المؤسسين، الرئيس الثالث، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال. نادى الحزب بمبادئ الجمهورية والتنمية الزراعية والتوسع الإقليمي، ساهم انهيار الحزب الفيدرالي بتوسع الحزب الجمهوري الديموقراطي الذي ما لبث أن خمد بسبب انشقاقات طالته عام 1824م، أدت لانفصال أعضاء منهم وتأسيسهم للحزب الديموقراطي (Democratic Party)‏، بينما أنشأ الأعضاء الآخرون حزب اليمين.

تأسس حزب اليمين (Whig Party) لمعارضة أفكار الحزب الديموقراطي، ضمت عضويته أربعة رؤساء، ونادى بالأفكار التجددية والازدهار الاقتصادي، ‏أُطلق عليه الحزب اليميني، وكانت كلمة إيجابية ترمز لمن حاربوا للاستقلال، وأصبحت ترمز لمعارضي الحزب الديموقراطي، كانت آخر انتخابات شارك بها عام 1856م قبل تفككه، قبل ذلك فاز رئيسان من الحزب بالرئاسة، وهما وليام هنري هاريسون وزاكاري تايلور، واللذان توفيا خلال رئاستهما.

أما الحزب الجمهوري (Republican Party) فيعرف بالحزب القديم العظيم (Grand Old Party: GOP)، لكونه المنافس الأول للحزب الديموقراطي منذ نشأته عام 1854م حتى الآن. دعم الحزب الليبرالية الكلاسيكية، الازدهار الاقتصادي، وعارض انتشار العبودية، كان ابراهام لينكون أول رئيس ينتمي له وأبرز أعضائه، والآن يعتبر دونالد ترامب من أبرزهم، ويمثل أعضاؤه الأغلبية في الكونجرس بتفوق على الحزب الديموقراطي.

بعد ذلك توالى ظهور العديد من الأحزاب التي تم الاعتراف ببعضها في جميع الولايات، بينما تم الاعتراف ببعضها في ولايات دون الأخرى مثل حزب الإصلاح، الشيوعي، النازي، الشعبي، الشاي، الدستوري وغيرها، من بينها عدد استطاع المشاركة بفعالية في الأحداث المختلفة، ومنها ما كانت مشاركته صامتة، لكن على مر السنين هناك خمسة أحزاب نالت اهتمام الناخبين، وهم الحزب الجمهوري، الديموقراطي، الليبرالي، الخضر والمستقلون.

يصنف الحزب الليبرالي (LP: The Libertarian Party )، بثالث أكبر الأحزاب، ينادي بالحريات المدنية، ويشجع على النظام الرأسمالي، نشأ عام 1971م نتيجة للمخاوف من إدارة الرئيس نيكسون وقراراته في حرب فيتنام، التجنيد الإجباري وسياساته الاقتصادية، ويعتبر ذا توجه ليبرالي كلاسيكي بعكس الأحزاب الأخرى، حيث ينادي بخفض الضرائب والدين العام ودعم الاحتفاظ بالأسلحة وغيرها، ولا تمثيل له في الكونجرس.

أما حزب الخضر (GPUS: Green Party of the U.S) فتأسس عام 2001، ينادي بالسياسة الخضراء وما تشمله من الاهتمام بالبيئة، الاستدامة، المساواة بين الجنسين، مناهضة العنصرية والحروب، وغيره مما يجعل أهدافه ذات توجه يساري، ولا يوجد أعضاء له في الكونجرس.

وأخيرا، حزب المستقلين (The Independent) كان يسمى برابطة الاستقلال عند تأسيسه عام 1906م، يختار بعض المرشحين عدم الانضمام لحزب معين نتيجة لاختلافه مع توجهاتهم، فيصنفون أنفسهم كمستقلين، في بعض الولايات لا يسمح للمستقلين بالتصويت لحياديتهم، لكن في بعضها الآخر يسمح لهم، وبالرغم من الحيادية إلا أن أغلبهم يصوتون في الانتخابات لمرشح حزب آخر، ويمثله أربعة أعضاء في الكونجرس.

ختاما، فالتوجهات الحزبية للسياسيين قد يطرأ عليها التغير للعديد من الأسباب، مما يؤدي لتغير توجهاتهم، فعلى سبيل المثال قام الرئيس دونالد ترامب بتغيير توجهاته الحزبية رسميا خمس مرات على مدى العقود الماضية من جمهوري لمستقل ثم ديموقراطي ثم جمهوري تلاه مستقل وأخيرا لجمهوري، وعندما أراد الترشح لم تتوافق أهداف وتوجهات الحزبين الرئيسيين مع توجهاته، مما جعله يفكر بالانضمام لأحد الأحزاب الأخرى، لكنه أدرك أن ذلك قد يفقده فرصته بالفوز في الانتخابات نتيجة لقلة شعبية باقي الأحزاب، كما حدث مع روبرت كينيدي جونيور في انتخابات 2024، مما جعله يقرر الانضمام للحزب الجمهوري وقام بإجراء بعض التغييرات لأهداف الحزب بما يتماشى مع أفكاره، ولجأ للشعار الانتخابي الذي استخدمه رونالد ريغان في انتخابات عام 1980م وهو "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، كما قام بإضافة بعض الأهداف والمبادئ للشعار، مما أدى لأن يتطور الأمر بين الناخبين الجمهوريين ويصبح الشعار حركة شعبوية تعرف باسم "MAGA" وهو الاختصار لشعار Make America Great Again.

g_alyazidi@