سعد باسلوم

فرص وإمكانات السعودية في خلق سياحة صحية مستدامة

الأحد - 01 سبتمبر 2024

Sun - 01 Sep 2024

تقف المملكة العربية السعودية على أعتاب تحول كبير في قطاع السياحة لديها لتحقق الأهداف المرجوة من رؤية 2030، ومع وجود إمكانات هائلة للظهور كوجهة رائدة عالميا في مجال السياحة الصحية والاستشفاء، توفر المبادرات الاستراتيجية للبلاد والبنية التحتية القوية للرعاية الصحية والتراث الثقافي مزيجا فريدا من فرص التنمية المستدامة في هذا القطاع، إن سوق السياحة الصحية المزدهر، والذي من المتوقع أن ينمو بشكل كبير في السنوات القادمة، يقدم للمملكة العربية السعودية فرصة للاستفادة من استثماراتها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي لتصبح وجهة رئيسية لسياحة الصحة والعافية بشكل مستدام.

البنية التحتية والمرافق الصحية: أساس قوي
يكمن حجر الزاوية في إمكانات السعودية في مجال السياحة الصحية والاستشفاء في البنية التحتية المتقدمة للرعاية الصحية، المدعومة باستثمارات ومبادرات حكومية كبيرة، فقد قامت المملكة بتطوير مدن طبية ومستشفيات ومراكز بحثية وتطوير مجمعات متخصصة لجذب السياحة الصحية، مثل مدينة الملك فهد الطبية ومستشفى الملك فيصل التخصصي، وهذا مدعوم بوجود أكثر من 111 منظمة معتمدة من اللجنة الدولية المشتركة (JCI) اعتبارا من عام 2023، حيث تفتخر الدولة بنظام رعاية صحية يلبي المعايير الدولية ويتجاوزها في كثير من الأحيان، ولا تعمل هذه البنية التحتية المتقدمة على تعزيز جودة الخدمات الطبية المقدمة فحسب، بل تغرس أيضا الثقة في المرضى الدوليين الذين يبحثون عن رعاية صحية عالية الجودة، وتجربة استرخائية واستشفائية فريدة.

معايير عالية في الخدمات الطبية والرعاية الصيدلانية
إن التزام السعودية بالتميز في الخدمات الطبية والرعاية الصيدلانية يعزز مكانتها كدولة رائدة محتملة في مجال السياحة الصحية، فقد قطعت المملكة خطوات كبيرة في مجال الخدمات الطبية المتخصصة، وحققت معايير تضاهي تلك الموجودة في الولايات المتحدة وكندا وغيرها، ويعد البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة، الذي أجرى بنجاح أكثر من 50 عملية فصل جراحي، شهادة على قدرة البلاد على إجراء إجراءات طبية معقدة، بالإضافة إلى ذلك تضمن المعايير الصيدلانية الصارمة الملتزم بها في السعودية حصول المرضى على علاجات عالية الجودة وآمنة وفعالة، على غرار التدقيق الذي تطبقه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

المعالم الثقافية والتاريخية: بعد إضافي
إلى جانب الرعاية الصحية يقدم التراث الثقافي والتاريخي الغني للمملكة العربية السعودية بعدا فريدا لقطاع السياحة الطبية والاستشفائية، حيث توفر التجارب الثقافية المتنوعة في البلاد، مثل استكشاف موقع العلا التاريخي، للسياح فرصة للجمع بين علاجاتهم الطبية والاستكشاف الثقافي والتاريخي، وهذا النهج الشامل للسياحة لا يعزز تجربة الزائر الشاملة فحسب، بل يجذب أيضا السياح الباحثين عن مزيج من الرعاية الطبية والإثراء الثقافي، حتما إن دمج المعالم الثقافية مع السياحة الصحية يخلق عرضا جذابا للزوار الدوليين، مما يضع السعودية كوجهة ذات رونق خاص أصيل بها تلبي احتياجات الصحة والعافية.

الموقع الجغرافي الاستراتيجي وسهولة الوصول إليه
يعزز الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسعودية وسهولة الوصول إليها إمكاناتها في قطاع السياحة الصحية، حيث تقع الدولة على مفترق طرق آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتقع على بعد 6-8 ساعات بالطائرة من أسواق السياحة الصحية الخارجية الرئيسية في أوروبا وأفريقيا، وتعمل هذه الميزة الاستراتيجية على تقليل تكاليف السفر والوقت بالنسبة للسياح، مما يجعل المملكة خيارا جذابا للمرضى الذين يبحثون عن خدمات طبية عالية الجودة بأسعار أقل وأوقات انتظار أقصر، كذلك تضمن البنية التحتية القوية لوسائل النقل في البلاد، بما في ذلك المطارات الحديثة وشبكات النقل الفعالة، اتصالا سلسا للمرضى الدوليين، وبالتالي تعزيز الجاذبية الشاملة للسعودية كوجهة للسياحة الصحية.

تمتلك السعودية اقتصادا واعدا فيما يتعلق بصناعة العافية، حيث تقع السعودية فى المركز الثاني من حيث ترتيب أكبر وأقوى اقتصاديات العافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحجم اقتصاد قد بلغ 19.77 بليون دولار، وفقا لتقرير، إذ توفر السياحة الصحية للأفراد إمكانية الوصول إلى العلاجات المتخصصة التي قد لا تكون متاحة بسهولة في بلدانهم الأصلية، وهذا يسمح للمرضى باستكشاف الخيارات الطبية البديلة والاستفادة من الإجراءات والتقنيات الطبية المتقدمة، كذلك إمكانية الحصول على رعاية صحية فعالة من حيث التكلفة من خلال البحث عن الرعاية الطبية في مواقع مختلفة معروفة بالعلاجات المتخصصة، حيث يمكن للأفراد تحسين نتائج صحتهم ورفاهيتهم العامة، يعتبر أحد أهداف القيمة الطبية هو الوصول إلى العلاجات المتخصصة، حيث يمكن للمرضى غالبا العثور على خيارات علاج أكثر بأسعار معقولة في بلدان أخرى، بما في ذلك تكاليف الإجراءات الطبية المنخفضة ورسوم الاستشارة ونفقات الرعاية الصحية الإجمالية، ويمكن أن يكون المستهدف جميع السياح القادمين للمملكة لأغراض متنوعة كالتعرف على الثقافة أو الاسترخاء أو القيام بالشعائر الدينية كالعمرة أو الحج.

فبصرف النظر عن العلاجات الطبية، توفر السياحة الصحية للأفراد الفرصة لتجربة ثقافات ومأكولات وأنشطة ترفيهية مختلفة، وتجربة ممارسات شعبية، فيمكن أن يساهم هذا النهج الشامل للسياحة الصحية في تحسين الصحة العامة للأفراد الذين يسعون إلى العلاج أو الوقاية أو التأهيل، وهناك عامل آخر مهم متمثل في العناية بعامل الوقت وتقديم الخدمة كاملة مكملة بأفضل صورها، والحصول عليها في أقصر وقت ممكن، يمكن للسياحة الصحية أن تساعد الأفراد على تجاوز أوقات الانتظار الطويلة للإجراءات الطبية في بلدانهم الأصلية، فمن خلال السفر إلى وجهات حيث تتوفر الخدمات الطبية بسهولة أكبر، يمكن للمرضى تلقي الرعاية في الوقت المناسب وتجنب التأخير في العلاج، كما يمكن تفعيل وتطوير نظام التأمين الصحي ليساهم في جذب السياح الراغبين بالعلاج في السعودية من الزوار.

لغة الأرقام
ومن خلال تتبع مؤشرات النمو الاقتصادي وحجم السوق السعودي وترتيبه على مدار الأعوام من 2019 حتى 2022، بحسب آخر إحصاء ودراسة تم إجراؤها من معهد العافية العالمي (GWI)، نجد زيادة ملحوظة مطردة وبخطي ثابتة لحجم الاقتصاد السعودي في هذه الصناعة. وكحال كل دول العالم، لم يكن هنالك من تأثر سوى في عام جائحة كورونا، وكان انخفاضا لا يذكر مقارنة بالعام الماضي له.

كان حجم السوق السعودي في 2019 (عام ما قبل الجائحة) يبلغ 17.05 بليون دولار، وشهد انخفاضا بمقدار لا يتعدى 3.5% للعام الذي يليه، وهو أحد أقل اقتصاديات العالم تأثرا في قطاع سياحة العافية مقارنة بأمريكا على سبيل المثال التي بلغت حجم خسائرها مئات البلايين من الدولارات بسبب جائحة كورونا.

بالرغم من ما مر على العالم من تأثرات اقتصادية كبيرة بسبب الجائحة والتوترات العالمية، إلا أن المملكة العربية السعودية تقدمت مركزين عالميا في ترتيب قوة اقتصاد العافية خاصة، إذ تحتل حاليا المركز الـ34 عالميا في آخر تصنيف صادر من GWI، وكانت في المركز الـ36 عالميا في 2019.

ختاما، فإن آفاق المملكة العربية السعودية في إنشاء قطاع مستدام للسياحة الصحية مدعومة ببنيتها التحتية المتقدمة للرعاية الصحية، والمعايير العالية في الخدمات الطبية، والتراث الثقافي الغني، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، يعزز من فرص خلق اقتصاد قوي في قطاع السياحة الصحية وسياحة الاستشفاء بشكل مستدام.

إن استثمارات البلاد في الرعاية الصحية والسياحة، إلى جانب مزيجها الفريد من المعالم الطبية والثقافية، تضعها في مكانة رائدة عالميا في هذا السوق المزدهر.

ومن خلال الاستفادة من نقاط القوة هذه ومعالجة تحديات التسويق من خلال استراتيجيات مبتكرة، يمكن للمملكة إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لقطاع السياحة الطبية والاستشفاء، مما يساهم في تنويعها الاقتصادي ونموها.

SaadBaslom@