فهد إبراهيم المقحم

الحج مدرسة

الاحد - 23 يونيو 2024

Sun - 23 Jun 2024


تتوجه أنظار العالم الإسلامي في نهاية كل عام هجري نحو قبلة المسلمين؛ لتعيش مع الحجاج الوافدين من كل فج عميق مشاعر إيمانية ولحظات روحانية وهم يؤدون فريضة ربهم ومناسك حجهم في أمن ويسر وطمأنينة.

لقد أجمع ملوك مملكتنا الحبيبة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه، ومرورا بأبنائه الملوك البررة - يرحمهم الله، إلى عهدنا الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله، على تفانيهم وبذلهم قصارى جهدهم لخدمة الحرمين الشريفين وضيوفه من الحجاج والمعتمرين؛ لينعموا بأداء نسكهم وشعائر دينهم في أمن وأمان ويسر واطمئنان.

أورد كتاب «شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز» بعضا من خطب المؤسس – رحمه الله، ومما جاء فيها قوله: «إني أبشركم – بحول الله وقوته – أن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وإنني – إن شاء الله تعالى – سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة، ويجلب الراحة والاطمئنان لها».

وفي مستهل الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء في السادس من ذي القعدة لعام 1445هـ، الموافق 14 مايو 2024م، رحب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – بضيوف الرحمن الذين بدؤوا في التوافد من أنحاء العالم إلى المملكة لأداء فريضة الحج، مؤكدا أن خدمة بيت الله العتيق ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، ورعاية قاصديهما، والسهر على راحتهم؛ من أهم أولويات هذه الدولة المباركة وأعظم اهتماماتها.

كما أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله ورعاه – بأن المملكة منذ تأسيسها شرفها المولى سبحانه وتعالى بخدمة الحرمين الشريفين، والعناية بهما، وجعلت ذلك في مقدمة اهتماماتها، واتخذت الجهود كافة وسخرت جميع الإمكانات بما يوفر وسائل الراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن.

وترجمة لهذا الاهتمام الدؤوب، جاء برنامج «خدمة ضيوف الرحمن» كأحد البرامج الرئيسة لرؤية المملكة 2030؛ والذي يسعى، بمشاركة العديد من الجهات الحكومية، إلى إحداث نقلة نوعية في خدمة ضيوف الرحمن وقاصدي الحرمين الشرفين، بدءا من عزمهم وعقد نية نسكهم، وحتى عودتهم إلى بلادهم محملين بالتجربة الفريدة والذكرى الطيبة.

ونحن إذ نحمد الله جل في علاه على نجاح موسم الحج لهذا العام نجاحا باهرا، فإن النجاحات المتعاقبة لمواسم الحج المباركة تؤكد على أن إدارة الحج في وطننا مدرسة رائدة، نستلهم منها دروسا نافعة، ولعل من أبرزها ما يلي:
أولا: محور نجاح موسم الحج – بعد توفيق الله – يرتكز على عقيدة راسخة ومبدأ أساس من مبادئ هذه الدولة المباركة، فالوطن بأكمله، قيادة وشعبا، يؤمنون إيمانا ثابتا أن خدمة الحرمين الشريفين وسام فخر وشرف لا مثيل له، وإكرام ضيوفه ووافديه طاعة وقربة يتقربون بها عند مليكهم، ويرجون من ورائها تجارة لن تبور في صحائف أعمالهم.

ولذا لا عجب أن تنقل لنا وسائل الإعلام في كل عام نجاحات مبهرة، ومشاهد مبهجة، وقصصا تظهر بعدا إنسانيا مفعما بالحب والتضحية، وعمقا نبيلا لا يفرق بين لون أو عرق أو جنسية، وعملا متفانيا خرج من أنفس تحب إكرام ضيفها وتسعى إلى إرضاء خالقها.

ثانيا: جاء في إعلان نائب أمير منطقة مكة المكرمة، نائب رئيس لجنة الحج المركزية، صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، من مقر الإمارة بمشعر منى، لنجاح حج هذا العام قوله «الحمد لله على التمام. والشكر له على ما أنعم به على ضيوف الرحمن من أداء المناسك بيسر وطمأنينة وأمان، وذلك بتوفيق من الله ثم بما سخرته قيادة المملكة – أيدها الله بالعز والتمكين – من خدمات متنوعة ورعاية فائقة ساند ذلك عمل جماعي، وجهود تشاركية نفذتها مختلف الجهات المعنية بالحج».

إذن، فالتنسيق والتكامل بين الجهات المعنية سبب رئيس – بعد توفيق الله – في نجاح أي عمل مشترك، وتنازعها أو توانيها يخل بعمل المنظومة في تحقيق أهدافها. إن كل جهة حكومية ما أنشأت إلا لأهداف محددة وأعمال معينة تختص بها، ونجاحها في القيام بها والتكامل مع غيرها نحو تحقيق المستهدفات الوطنية.

ثالثا: جاء خلال الحفل الختامي «ختامه مسك» الذي نظمته وزارة الحج والعمرة، بالتعاون مع برنامج خدمة ضيوف الرحمن، في نهاية موسم الحج لهذا العام، إعلان معالي وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق الربيعة تسليم وثيقة الترتيبات الأولية إلى مكاتب شؤون الحجاج، كأول خطوة في الاستعداد المبكر لموسم حج العام المقبل 1446هـ.

إن التخطيط المبكر والجيد سبب رئيس في نجاح أي مشروع، والتأخر فيه أو إهماله أو الإخلال بأحد عناصره ذريعة إلى الفشل، وكما قال رالف إيمرسون: «لا يخطط الناس للفشل، ولكنهم يفشلون في التخطيط».

رابعا: الهوية الرقمية، والتسجيل الالكتروني، وطريق مكة، والإسورة الذكية، والمحفظة الرقمية، وصحتي، وأسعفني، وإدارة الحشود، والمرشد الآلي، والترجمة الفورية، وغيرها من خدمات الحج الذكية، ماهي إلا أمثلة على الاستثمار الرقمي الأمثل نحو تحسين تجربة المستفيدين والاهتمام بما يحقق رضاهم ويفوق تطلعاتهم؛ فالتحول الرقمي ليس هدفا لذاته، بل هو ممكن لتحسين الأعمال وتجويد الخدمات، ولذا يجب ألا تتحول مؤشراته إلى أهداف نسعى إلى تحقيقها، دون النظر إلى أثرها وربطها بما يحقق أهدافنا الاستراتيجية.

وهكذا ننجح – بإذن الله – في مبادراتنا الطموحة وأعمالنا المهنية حين نؤديها بحب وإخلاص نتعبد إلى الله بإتقانها، ونسعى جاهدين مع شركائنا لتحقيق مستهدفاتها، وفق خطط محكمة وشاملة، وتحت قيادة فاعلة، تؤكد على التوجهات والأولويات، وتحفز الكفاءات لتفجر الطاقات، وتنتقي من الممكنات ما يحقق الأهداف ويحسن من جودة النواتج والمخرجات.


moqhim@