حسن علي القحطاني

طويل جدا

الأحد - 09 يونيو 2024

Sun - 09 Jun 2024

بعد عام دراسي طويل (طويل جدا)، تغلق المدارس أبوابها اليوم، بعد 10 أشهر دراسية تقريبا، اطمأننت فيها على كل شيء: طول أظافر أبنائي وبناتي من الطلاب والطالبات، وتأكدت من سلامة صحة شعرهم، وسرعة نمو قاماتهم، وحرصت على علاج بعض التقرحات التي أصابت أقدامهم بسبب ضيق أحذيتهم الرسمية والرياضية -أعزكم الله- لأنها تتلف في الأسبوع الذي يسبق المرتب الشهري، وتغيرت بعض قناعاتي مثل تحريم الغياب فصار مباحا، وما فات هذا اليوم سيدرك في الأيام الكثيرة المتبقية، وأن منصة مدرستي التي كلفت الملايين، وقدمت آلاف الدروس النموذجية لا تصلح لأن تكون بديلا للحضور في 15 يوما في رمضان، والأدهى عدم تذكرها إلا مع إنذارات مصلحة الأرصاد الحمراء، أو عند تفتيش المشرف أو المشرفة على المعلمين والمعلمات لطحن تقييمهم السنوي، وأن التعليم الخاص أصبحت مخرجاته مثل العام باختلاف قليل في البرستيج فقط، إما في نوع القهوة (عربية حارة أو آيس بلاك كافي)، التي تقدم لولي الأمر، أو قليل من النظافة في حافلات النقل، أو في أشكال حفلات التخرج فقط.

والعجيب أن تلك الحفلات هنا أو هناك اتفقت كلها على أن تسبق الاختبارات النهائية بـ3 أسابيع وتكلفتها تدفع من جيوب أولياء الأمور على بند المشاركة الاجتماعية.

الغريب، أني لم أشاهد الحزن على هذا العام الدراسي إلا على وجه مالك المول القريب من منزلي - مستثمر من دولة صديقة - ومعه حق، فقد اشتريت منه عددا كبيرا من مقصات الأظافر وآلات الحلاقة وملابس المدارس بأنواعها المختلفة، ومتطلبات الإفطار المدرسي والمستلزمات المدرسية، من دفاتر وأقلام وكراسات رسم وألوان والقائمة تطول.

وأيضا، ممن حزن على انتهاء هذا العام الدراسي (عامل المقصف المدرسي)، لأنه لم يوفق لبيع الحلويات الملونة وأكياس البطاطس المتبقية - خاصة في الفصل الثالث - ليس لأنها من النوع الرديء فقط، بل لأن الطلاب لم يحضروا بعد حفلات التخرج، فكان الهدوء الصفة السائدة في الفصول الدراسية لولا ضجيج مكيفات الهواء، التي تحاول الانتصار في معركة الحرارة الجوية والأرضية التي راوحت بين 36 مئوية في الجنوب و46 في شمال السعودية.

أما أكثر من رأيت في عيونهم الحزن على فراق المدارس، فهم المعلمون والمعلمات، فـ(9) أسابيع مدة طويلة سيحرمون خلالها من الزحام الصباحي، والتعسف الإداري الحضوري والغيابي، والوقوف 5 ساعات على الأقل يوميا، ومشاهدة عجائب سلوك الآباء والأمهات، وذرياتهم من الأبناء والبنات، وإن كانت تسبب موجات مرتفعة من الضغط والسكر، ولكن تبقى هي السمة للعام الدراسي الطويل جدا.

مفاهيم مختلفة في أدق تفاصيلها عن تلك التي نسمع عنها في أي نظام تعليمي سابق أو لاحق أو حتى مجاور، قريب أو بعيد.

مسلمات في رأيي لدراسات أثبتت فشلها، فكانت كافية لإرهاق الطلاب وأسرهم، وكفيلة بإجهاد الكادر التعليمي والإداري في كل مدارس السعودية، والتصحيح تأخر كثيرا خلف ستار فصل مشاريع صيانة المدارس، والنقل المدرسي غير المجاني، وفحص وسائل السلامة، واكتمال الهيكلة، وتعميم نظام حضوري.

أخيرا، التعليم مؤسسة تربوية تعليمية وليست صناعية، وهناك فرق بين رعاية عقول ستنجح - ويجب أن تنجح لنصل لأحلامنا - وصناعة سطول تغلف منتجات ناجحة، يمكن أن نستبدلها بمنتجات أكثر مبيعا.

hq22222@