محمد الصلاحي

عودة للرياض..عودة للكتابة

الاثنين - 19 فبراير 2024

Mon - 19 Feb 2024


أشهر عدة منذ آخر مقال، افتقدت الحافز والدافع للكتابة، رغم ازدحام الأحداث وتسارعها، والأفكار الكثيرة حولها، لكن الرغبة تضاءلت وتوارت، إلا أن الرياض أعادت الحافز للكتابة، وأوجدت الفكرة، وكانت هي عنوانها.

مذهلة هذه المدينة، وملهمة، كحبيبة تنبهر بها، وتلهمك بأفكار المدح والثناء، بين الزيارة والأخرى لها، تتغير معالمها جودة وتوسعا، تجدها عند كل زيارة مدينة مختلفة، أحياء جديدة بنيت ووسعت حدود المدينة، وأبراج شيدت غيرت معالمها، تتقلص مساحات الصحراء حولها أمام توسع عمراني متسارع في اتجاهاتها الأربعة، وليس هذا كل شيء فيها، فهي مدينة يولد فيها الإبداع كل يوم، هي العنوان الكبير لبلد أضاع سنوات عدة، عاشها مترفا بفائض المال النفطي فقط، صفر الأفكار، ثم جاء عهد الرؤية، يصنع الأفكار ويكسب منها المال متعدد الموارد، ويحقق النفوذ.

كانت الرياض عاصمة تقليدية، مدينة وسط الصحراء، غير جاذبة ولا مرغوبة لسكن النخبة القادمة من الشرق والغرب لشرقنا الأوسط، ثقلها الوحيد سياسيا واقتصاديا أنها عاصمة دولة نفطية، عاصمة استهلاكية لا أكثر، عاصمة تفتقد للصناعة، وتغيب عنها مقرات شركات التجارة، وحتى كبرى شركات الدولة المحلية حطت رحالها بعيدا عنها، كأرامكو مثلا، لكن رؤية 2030 غيرت الفكرة التقليدية عنها، وصنعت أفكارا جديدة لهذه المدينة التي تتعملق يوما بعد يوم، ليس في توسيع اقتصادها، واحتضانها لمقرات شركات عالمية، وامتدادها الجغرافي الآخذ في التوسع فحسب، بل حتى في تحسين جودة الحياة فيها، والانفتاح الثقافي والترفيهي على خيارات عديدة وجديدة، لجعل المدينة بنمط حياة يتوافق مع مسعى جعلها عاصمة اقتصادية وسياحية عالمية.

هي الرياض، عاصمة السياسة والاقتصاد والرياضة والسياحة والفن والترفيه، الرؤية الطموحة تريدها الأكبر والأفضل معا، الأجود والأمتع، الأكثر في الرفاه، والأنسب في العمل، عاصمة السياسة وقبلتها، ومحط صناعة القرار الإقليمي، وعاصمة الاقتصاد، باقتصاد متسارع غير نفطي، وعاصمة الرياضة بأنديتها الثلاثة الكبرى، وسباقها في التنافس الرياضي المحلي والقاري والدولي، أما السياحة والترفيه والفن، فبرغم حداثة دخولها هذه المجالات إلا أن الريادة فيها لم تكن صعبة ولا بعيدة، وما زال في الوقت متسع لتطور سياحي أكبر مع اكتمال تجهيز الحدائق الكبرى بداخلها كحديقة الملك سلمان، والمحيطة بها كحديقة القدية، والمسار الرياضي، ومشروع الرياض آرت، إضافة إلى المشاريع السياحية التاريخية الأخرى في الدرعية.

وجدت الرياض خلال أعوام مضت من الغياب عنها، مدينة بعالمين، في الليل لا تنام شوارعها المزدحمة، وفي الصباح تصحو باكرا، مدينة بعالمين مختلفين، ليل المترفين فيها صاخب، وصباح العاملين فيها مزدحم ونشط، وهكذا حياة هي عنوان كبرى المدن، مدن لا تنام، وتجارة لا تبور.

الرياض مدينة جميلة مبهرة، ينقصها بحر يكتمل به جمالها، والمدن مهما كانت جميلة تفقد نصف جمالها دون بحر يرويها، لكن إمكانات الدولة وحداثة تفكير قادتها وحركة التغيير في شكل المدينة، عوامل كفيلة بتغيير ليس نمط المدينة بل حتى وجه الطبيعة فيها، والفرص متاحة لشق بحيرة، وحتى بحيرات أيضا، وتخيلوا الرياض ببحيرة تتوسطها، وبحيرات طولية تحيط بها، بحيرات لها ضفاف ومرافئ وممرات ويخوت وزوارق بحرية وحركة تنقلات عبرها حول المدينة، يا للفكرة واللحظة، وتنفيذ هكذا مخطط أمام الأحلام الطموحة والأفكار المندفعة للتغيير الحضاري والإنساني في المدينة، ليس أكثر كلفة من مدن أخرى تبنى من الصفر، في قلب الصحراء كنيوم، وغيرها.

هذه الرياض المبهرة، الملهمة، أما جدة، فهي مدينة نحبها وتحبنا، ومنذ اللحظة الأولى التي غادرتها فيها، سأنتظر عودتي.



Mohamed_alslahi@