شاهر النهاري

عصر نووية أُم الفضائح

الاثنين - 15 يناير 2024

Mon - 15 Jan 2024

في جنون هجمات التقنية والذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل اختلفت معايير الفضيحة وطرق البحث عنها عما كانت عليه أيام الصحافة الصفراء؛ لأن الكثير من البشر أصبحوا يتمنون حدوث الفضيحة لهم، بقلوب ميتة، وانعدام حياء، وطمعا فيما تسببه الفضائح من كثرة مشاهدات ومتابعات ومدخول مادي.

قدرنا أن نعيش عصر رواج الفضائح بامتياز، ولكننا لم نكن مستعدين لشدة انفجار نووية الفضيحة العالمية الأخيرة، التي نسفت مقاييس فضائح ومؤامرات أعلى المستويات الاجتماعية والسياسية والمادية والعلمية والفنية المرموقة، وبما فاق كل حدود الخزي.

جزيرة الملياردير جيفري إبستاين مشتهي ومغتصب الأطفال والمشتبه في انتحاره بسجنه، كانت مسرحا لأم فضائح العصر المرعبة لكل بيت في العالم، والمسخطة لكل وعي، ناحرة جميع مظاهر التحضر، بانكشاف الزيف، وظهور القصص البشعة المقلقة النازعة للشوى، حينما نشرت أسماء أشهر من ضمتهم فضيحة الجزيرة سيئة السمعة بوقائع تشيب لها الأجنة، متخطية قبح فضائح العصور الماضية.

رؤساء دول، وأمراء، وأثرياء وسياسيون، وإعلاميون، وفنانون وعلماء، كانوا يزاولون الرذيلة بأشنع أشكالها، في حق قُصَر يتم جلبهم للجزيرة السحرية إغراء وإغواء، أو عبر طرق إجبار قسرية أفظع بكثير من ظلمة عصور العبودية والتوحش، وبما أضيف إليها من شهوات فجر وسادية، وشرب دماء، وأكل أجزاء من أجساد الصغار، تلذذا بالخلايا الجذعية، معتقدين أنها وسيلتهم للخلود، وعودة نعومة بشرة الطفولة، وطراوة القد والمفاصل، وتجديد شباب القلب والمخ والعين، وشحن طاقات روح التهور، ووهم حياة وشهوات المراهقة.

أي انتكاسة كذب أصابت إنسان عالم التحضر، وشطبت الحقوق، والوعي ومشاعر الإنسانية، ومتطلبات ترقي التقدم العلمي، بتقهقر يأخذنا للغاب والكهف.

والمؤكد أن إبستاين ليس الأوحد في مزاولة هذه الصناعة، ولكن لعبته انتهت، بعد انكشاف أوراقه، تاركا الخبرة والحيطة لآلاف غيره يبدعون في صناعة رذيلة المستحيلات، وبأموال القادرين المغطين على عمق خبثهم، بطموحات عاشقي التجارب النادرة مهما بلغت قذارة شناعتها، فالترف جنون لا نهايات لأطماعه، والشهوات تقزم الأخطار، والثراء يستحدث التجارب الجديدة، ألعابا تحاول إزالة الرتابة، والكآبة، والعياء والشيخوخة، بعبثية تمتطي منتهى جنون غرور الوهم، وثقة التحصن ضد الفضائح بتشتيت الإشاعات بمكانس السلطان، ومساحات الإنكار، والتشكيك في شبهات حدوث العمل الشاذ.

طبقة النخبة العالمية، من كانت تسمى بالماسونية، وتدار بالصهيونية العالمية، هي من يرعى حراك ذلك، وأعضاؤها يسهلون الرذيلة فيها، ثم يستخدمون مقاطعها وصورها للضغط على المتورطين.

القصر المنتهكة حقوقهم بشر مثل المغتصبين، ولكنهم أقل وعيا وخبرة، وقدرة، فيتم جرهم بأحلام الخيال والثراء، قبل شطبهم من مسيرات الكرامة والحقوق، بمغبة السواهي والدواهي المحمية بجبروت المراكز القيادية، والوهج، ووجود أمثال إبستاين «حلقة أضعف» وقربان يضحون به، لتشتيت أجنحة الفضيحة بتمثيليات محاكمة وزنزانة وانتحار يمسح ويكتب التاريخ.

أي أمان عالمي سيكون بعد نووية أم الفضائح؟

فالشعوب الغاضبة تخشى على مصير صغارها، من تحكم سلاطين الجور المختلين، وسياسات الكذب المريضة، تقلب منطق الموازين.

كيف تصدق الشعوب بعد اليوم ادعاءات الكبار واللامعين بالنزاهة والصدق والاهتمام والرحمة والتحضر وضلوعهم في الأعمال الخيرية، وكيف ستثق الأنفس المحبطة بالواصلين القادرين، وهي تتوجس انكشاف فضائح مستقبلية منهم أشد وأشنع من نووية أم الفضائح؟

shaheralnahari@