عبدالله علي بانخر

أنا حر.. ولكن متحيز بالفطرة

الأحد - 19 نوفمبر 2023

Sun - 19 Nov 2023

نظرا لأن الحرية ليست مطلقة ولكنها نسبية ومحددة بالمسؤولية. كما أن الموضوعية متاحة أو ممكنة أحيانا ولكن ليست يسيرة أو متوفرة دائما، والحيادية المنشودة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والمعاناة.

وجميع ما تقدم من قيم يؤكد أن هذه القيم أو الأمور نسبية الوضع وليست قطعية مؤكدة على الدوام، وبالرغم من انشطار أو فورة أو سطوة مصادر المعرفة المختلفة في الوقت المعاصر، وما قد تحمله وسائل ووسائط الإعلام الرقمية وغير الرقمية التقليدية، علاوة على ما تقذفه أو تبثه من مواد أو نصوص أو محتويات اللحظة تلو اللحظة لعموم الجماهير المختلفة العام والمتخصص إلا أن ما يرشق أو يصيب أو يصل إلى الهدف المنشود منها في كل من العقل أو القلب أو الوجدان عادة ما يبنى على التعرض والاختيار والفهم والتذكر والاعتقاد، بالطبع إلا من رحم ربي برجاحة عقله وصفاء قلبه وطيب وجدانه.

ومهما كانت سعة أو قدرة التلقي أو الاستقبال أو الاستيعاب أو حتى القبول محدودة للغاية نسبيا.

وبالرغم من أن الشغف العارم لتزويد الجماهير بالأخبار والمعلومات والآراء والمواد الإعلامية الأخرى من قبل القائم بالاتصال أو المرسل سواء كان مهنيا محترفا أو هاويا غير محترف أو كائنا من كان طبيعيا أو غير طبيعي.. يقابله لدى الطرف الآخر - للأسف الشديد - شبق جماهيري أكبر في تلقي أو تلقف أو حتى تقبل المزيد من المواد الإعلامية أو غير الإعلامية المختلفة من مصادر ومسارب متعددة مجهولة الهوية أو حتى معروفة الهوية حقيقة أو زورا أو بهتانا أو غير ذلك، إلا أن هذه القوى المتعددة عادة ما تقابلها أو تجابهها العديد من العوامل الانتقائية التي تغربل أو تفلتر أو يفترض أن تمحص هذه المواد بعقلانية يفترض التأكد من صحتها ودقتها وموثوقيتها واعتماديتها، ولعل من أهم هذه العوامل الانتقائية ما يلي:
  1. التعرض الانتقائي: حيث نختار ما نتعرض له من وسائل إعلامية رقمية أو غير رقمية ويتعدى ذلك انتقاء الوسيلة في حد ذاتها.
  2. الاختيار الانتقائي: يختار الإنسان ما يناسبه من مواد ورسائل وأشخاص ضمن الوسائل التي يتعرض لها.
  3. الوعي الانتقائي: الإنسان يعي فقط ما يريد أن يعيه مما يختار من مواد.
  4. الفهم الانتقائي: يفهم الإنسان ما يريد أن يفهمه ويتفق مع ميوله واتجاهاته.
  5. الاعتقاد الانتقائي: يعتقد الإنسان ما يتوافق مع معتقداته ومبادئه.
  6. التذكر الانتقائي: يتذكر الإنسان فقط عادة ما يود أن يتذكره وفقا للذاكرة قصيرة المدى أو بعيدة المدى.
إنها الفلترة الطبيعية لأي إنسان شئنا أم أبينا.. فقط تستطيع أن تعجل أو توسط أو تبطئ وتيرة التعرض والاختيار والوعي والفهم والتذكر بمنشطات أو مثبطات من مؤثرات داخلية وخارجية إن جاز التعبير.

السؤال الذي يفرض نفسه هل الإنسان بالفطرة متحيز؟! أكاد أن أجزم إلى حد كبير نسبيا.. نعم الإنسان بطبيعته متحيز.. يتحيز الإنسان للبيئة النفسية والاجتماعية والثقافية التي ولد ونشأ فيها، مهما شكلت هذه البيئات عقله وقلبه ووجدانه، بدءا بالتربية والتنشئة في المنزل ثم في المدرسة ودور العبادة لاحقا ثم الحي والمجتمع المحلي فيما بعد ثم المستوى الجامعي أو المدارس العليا أو الكليات أو مواقع العمل الذي ينخرط فيها الإنسان قبل الدراسة وربما بعدها أيضا، بكل تأكيد إن مرد ذلك كله إلى مجموعة القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية التي يكتنفها الإنسان منذ الولادة إلى الوفاة بين الثبات منها وغير الثبات.

ولعل أكبر نعمة أنعم بها الله الخالق على خلقه من بني الإنسان بعد الإسلام لله وحده لا شريك له وسنة نبيه الشريفة المطهرة.. بكل تأكيد تأتي نعمة العقل والتفكير والرجاحة في الاختيار والتيسير بين جدلية العقل والقلب والوجدان والله الموفق إلى خير السبيل.

خلاصة القول تذهب إلى أن التغلب على هذه العوامل الانتقائية ليس بالأمر السهل أو اليسير، ويمكن مراجعة سبل التعرض وطرق الاختيار وأساليب الوعي ومنطلقات الفهم ومواطن الاعتقاد ووسائل التذكر لإحداث أي تغيير سلوكي إرادي أو غير إرادي، إلا أن تدرج من السهولة إلى الصعوبة يبدأ بالتعرض ثم الاختيار ثم الوعي ثم الفهم ثم الاعتقاد، ويبقى الأخير الأصعب في التغيير دائما وأبدا ووفقا لتراكمات العوامل الانتقائية الأولية السابقة، وفي النهاية ما أنت إلا نتاج لتلك العوامل والبيئات والثقافات المتراكمة والمتعددة والمتداخلة.

aabankhar@