أحمد بني قيس

الضمير الغربي بين اليقظة والمنام

السبت - 18 نوفمبر 2023

Sat - 18 Nov 2023

مما ينبغي الاعتراف به أن الغرب بمختلف دوله متوحد في الكثير من قرارته ومواقفه، ومن أبرز مظاهر هذا التوحد تكوينه من جهة لاتحاد يجمع دوله سماه «الاتحاد الأوروبي» وإنشائه لحلف أمني عسكري من جهة أخرى يحمل اسم «حلف الناتو» جاعلا الولايات المتحدة الأمريكية ليست فقط عضوا فيه بل زعيمة له تحقيقا لرغبة أعضائه في توفير الحماية الأمنية اللازمة لدولهم من خلال جعل الاعتداء على أي عضو في هذا الحلف اعتداء على جميع أعضائه ويستدعي تدخلهم الجماعي عسكريا لدحر ذلك العدوان والوقوف صفا واحدا في وجه صاحبه.

اللافت في شأن هذا الحلف هو عدم التزامه في بعض الأحيان بالقاعدة التي أسس من أجلها، حيث أثبت الواقع القريب بأن تدخله العسكري لا يقتصر على حماية أعضاء الحلف فقط وإنما يتجاوز ذلك ليصل إلى حماية دول أخرى لا تنتمي لهذا الحلف لأسباب سأذكرها في ثنايا هذا المقال والتي لا تستند جميعها على أي مواقف مبدئية وأخلاقية قد توفر الغطاء الشرعي والقانوني لها.

ولنا في حرب روسيا وأوكرانيا خير مثال على ذلك، حيث وجدنا «حلف الناتو» يقف متحدا ضد روسيا بعد أن أقدمت على شن هجوم على أوكرانيا التي رغم أنها ليست عضوا لا في «الاتحاد الأوروبي» ولا في «حلف الناتو» إلا أن خوف الغرب من تعاظم دور روسيا جعلهم يتداعون لنصرتها ليس حبا فيها وإنما خوفا من أطماع من يهاجمها والذي يمثل لهم توسعه الجغرافي وتنامي نفوذه السياسي والاقتصادي خطر يجب التصدي له والعمل على تقويضه، ولكن هل هذا هو الدافع الوحيد لهذا الموقف الغربي الموحد تجاه ما تتعرض له أوكرانيا؟

بالطبع لا حيث يوجد دوافع أخرى أبرزها أن أوكرانيا ينتمي شعبها للعرق «الأوروبي» الأبيض ويدين في معظمه بالمسيحية وهما عاملان ثبت وجودهما من خلال بعض الأفعال الميدانية للغرب ومن خلال فلتات اللسان وبعض تصريحات المسؤولين الغربيين التي تحمل في طياتها دلالات دينية رغم زعمهم بأن دولهم دول علمانية لا تقحم الدين في السياسة.

إلا أن الرغبة الغربية الهادفة لوأد طموحات روسيا التوسعية اصطدمت بالثوابت التي وضعها الغربيون أنفسهم كي تضبط تحركات حلفهم العسكرية ومن بين هذه الثوابت ثابت يمنع هذا الحلف من التدخل العسكري في أي نزاع لا تتمتع الدولة المتضررة منه بعضوية «حلف الناتو» وهو ما جعل الدعم الغربي لأوكرانيا يقتصر على الدعم التسليحي والسياسي دون القيام بأي إجراء عسكري يرجح كفة طرف على طرف.

وهذا المانع الإجرائي والقانوني أجبر القادة الغربيين على اللجوء لتجنيد أدواتهم الإعلامية رغبة منهم في استخدامها كوسيلة لإقناع شعوبهم بمشروعية الدعم الضخم وغير المسبوق الذي يقدمونه لأوكرانيا تحت مبرر أن ضميرهم الأخلاقي والإنساني هو السبب الرئيس وراء تقديم هذا الكم المهول من الدعم ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، حيث تمكنت هذه السياسة الإعلامية من خلق تأييد شعبي لها داخل مجتمعاتهم الذي يشرعن بدوره كل ما تفعله قياداتهم في تلك الحرب دون إدراك منهم لحقيقة أن هؤلاء القادة يلجؤون لتطبيق ازدواجية معايير مقيتة تجعل ضميرهم المزعوم وإخلاصه يدخل في سبات عميق لا يوقظه منه إلا أمر واحد فقط وهو تعرض مصالحهم لخطر وشيك ما يجعل هؤلاء القادة يهبون ويتوحدون في عملية تحييده والقضاء عليه.

وجود هذه الازدواجية في المواقف الغربية تجاه قضايا كل من لا ينتمي لهم عرقا ودينا تؤكده قضايا عديدة كقضية فلسطين على سبيل المثال التي يختلف أهلها عرقا ودينا عن غالبية الغربيين، ما جعل حالها وحقيقة ما يجري فيها بعيدة كل البعد عن اهتمامات المواطن الغربي بسبب الدور السلبي الذي لعبه ساسته في تشويه عدالة تلك القضية وتغييب حقيقة الاضطهاد والظلم الذي يعاني منه شعبها وهو ما تسبب في جعل المواطن الغربي طوال عمر هذه القضية جاهلا بحقائقها وتاريخها إلى أن قدمتها له أخيرا وسائل التواصل الاجتماعي.

وهو ما ترك أثرا كبيرا في وجدان الكثير من الشعوب الغربية جعلهم يظهرون احتجاجهم على مظلومية أهل فلسطين بعد أن أصبحوا على دراية وعلم بتفاصيل قضيتهم التي كانوا لا يعلمون عنها شيئا لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها وهذا العلم بالتفاصيل جعل غالبية تلك الشعوب تؤمن وتطالب بضرورة إنهاء المعاناة الفلسطينية وضرورة منح أهلها حقهم الذي كفلته لهم كافة العهود والمواثيق الدولية والتي تقول بأن من حق كل إنسان في هذا الكوكب أن يعيش بأمن وأمان في كنف دولة مستقلة كاملة السيادة.

أخيرا، إن ما تؤكده حقائق الواقع أنه متى ما تم توضيح طبيعة المعاناة وتداعياتها التي يعاني منها أي شعب لغيره من الشعوب أيا كانت هويتهم وأيا كان انتماؤهم وكشف مدى عدالة قضيتهم لهم فإن ذلك وحده كفيل بإيقاظ ضمير هذه الشعوب ودفعها طواعية إلى تشكيل جبهة تدافع عن ذلك الشعب وتدعو لضرورة منحه كل ما يجب أن يكون بدلا من دفعه للرضا والقبول بكل ما هو كائن.

ahmedbanigais@