فهد إبراهيم المقحم

كيف تدير مديرك؟!

السبت - 16 سبتمبر 2023

Sat - 16 Sep 2023

في عام 1980م نشرت مجلة (Harvard Business Review) مقالا بعنوان: «إدارة رئيسك»! والسؤال الذي كان مثارا للجدل: هل انقلبت المعادلة فأصبح الموظف يدير مديره؟ بالطبع الأمر ليس كذلك، لكن المغزى من ذلك التنبيه على أن من مسؤوليات الموظف إدارة العلاقة بينه وبين مديره؛ فنجاحها - بعد توفيق الله - ضمان لنجاح الموظف في مسيرته الوظيفية.

وحين كنت أدرس مرحلة الدكتوراه في بريطانيا، شاركت في ورشة عمل بعنوان: «كيف تدير مشرفك الدراسي؟!»، فعلى أن المشرف هو المسؤول الأول عن مسيرتك الدراسية، إلا أن مسؤولياته وتعدد واجباته يجعله منهمكا في يومه بأعباء كثيرة، في حين أن وقتك وتركيزك كطالب دكتوراه ينصب في هدف واحد، ولضمان تحقيقه، يستلزم منك إدارة فاعلة لعلاقتك مع مشرفك.

وجدت دراسة بحثية نشرت عام 2020، أجريت على أكثر من 1200 موظف وقائد في الولايات المتحدة الأمريكية، أن 88% من نجاح الموظف يتمحور حول نجاحه في إدارة علاقته بمديره.

وهذا ما أكدته (McKinsey) في دراسة بحثية شملت أكثر من 60 ألف موظف وقائد في أكثر من 70 دولة؛ إذ أظهرت الدراسة أن إدارة علاقتك بمديرك أهم وأبلغ أثرا في نجاحك ونجاح أعمالك من إدارة فريقك!

وفي المقابل، أظهرت دراسة قامت بها (Gallup) أن 50% من الموظفين يستقيلون بسبب فشل إدارة علاقتهم برؤسائهم! وهذه نتيجة حتمية، فالمدير هو ضابط الإيقاع بين الموظف والقيادة العليا، وفهم هذا الإيقاع وتحقيق مستهدفاته هو نجاح للمنظمة ومن يعمل فيها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تبني علاقة عمل ناجحة مع مديرك؟

أولا: معرفة النمط القيادي لمديرك وأسلوب تواصله، فهل يميل إلى المركزية؟ فتحتاج حينها إلى إطلاعه باستمرار على تفاصيل ما تقوم به، أو هو من النوع الذي يفضل التفويض وانتظار النتائج؟ فتكتفي بتزويده دوريا بنتائج رئيسة.

وهل يركز مديرك فقط على تحقيق المستهدفات المتفق عليها أو يطمح للتغير والإبداع؟ فتسعى إلى إيجاد حلول مبتكرة في عملك.

وهل يكتفي مديرك بالتواصل الرقمي عبر الأنظمة أو البريد الالكتروني، أو يحتاج إلى تواصل بصري وجلسات لمناقشة الأعمال والمنجزات.

ثانيا: أهمية صناعة الانطباع الأول؛ إذ أظهرت دراسة قامت بها جامعة هارفارد، لأكثر من 15 سنة، أن الانطباع الأول عن المرء يحدد أمرين مهمين: الثقة والجدارة، وحين يخفق الموظف في صناعة الانطباع الأول له مع مديره يحتاج بعدها إلى جهد عال وطويل المدى لتصحيحه.

ثالثا: معرفة أهداف وتوقعات مديرك، من المهم جدا أن تعرف رؤية المنظمة وأهدافها الاستراتيجية، لكن الأهم أن تعرف ماذا ينتظر منك مديرك أن تحققه وتسهم به في رحلة نجاح المنظمة؛ ومن دون ذلك ستفقد البوصلة في أولوياتك ومسؤولياتك، وربما أخفقت في نظر مديرك رغم ما تبذله من جهد وعمل.

رابعا: حافظ على سلوكيات وأخلاق عالية، فمديرك يتوقع منك أن تكون منضبطا في حضورك، ولبقا في قولك، ومتميزا في أدائك، وأمينا في عملك، ومتعاونا مع زملائك، وملتزما بمواعيدك في تحقيق مهامك، ومبدعا في إنجازك ومخرجاتك.

خامسا: اجتهد وبالغ في أداء عملك. ليس عيبا أن تخطأ أو أن تطلب عونا، لكن المحبط لدى مديرك أن لا يرى منك بذلا واجتهادا كافيا في أداء عملك، أو تملصا من مسؤولياتك، بل احرص دوما على أن تحقق أعلى مما يتوقع منك، فالزيادة هنا رافعة لمكانتك، وجابرة لأي خلل أو نقص يعتريك في عملك.

سادسا: جهز الحلول قبل عرض المشكلة، فمديرك لديه العديد من المسؤوليات والتحديات، ويتوقع منك أن تذلل الصعوبات التي تواجهك، وإن استعصت عليك أو رأيت ضرورة لاتخاذ بعض القرارات، قدم لمديرك الحلول المناسبة بعد عرض المشكلة لمناقشتها واتخاذ الأنسب منها.

سابعا: تجنب الصراعات، فبيئات العمل لا تخلو من المشكلات والتحديات، والموظفون بشر يعتريهم النقص والخلل، لكن الفائز فيها من يتعامل مع تلك المواقف الصعبة بحكمة وروية، دون أن يقحم نفسه في خلاف أو صراع؛ إذ الخلاف آفة تعود على الموظف والمنظمة بالويل والثبور.

ثامنا: طور ذاتك وتحدث عن طموحاتك؛ إذ يتوقع مديرك أن يرى تحسنا مستمرا في مهاراتك وخبراتك، وحين يرى منك أداء مميزا، سيسعى معك جاهدا في تحقيق رغباتك وطموحاتك الوظيفية.

تاسعا: حافظ على مكانة مديرك، فلا تتجاوزه إداريا أو تحاول سحب الأضواء منه، فضلا عن غيبته والحديث عنه بسوء أمام الآخرين؛ فهذه مآلها غالبا إلى خلق الصراع معه والعيش في أجواء تعج بالسلبية والتقهقر، وكن حريصا على إبقائه مطلعا بالمستجدات والمتغيرات.

عاشرا: احرص على الاستفادة من تقييم أدائك، ولا تركن إلى تقييم الأداء السنوي، بل أطلب من مديرك أن يقيّم أعمالك باستمرار، لتتعرف جيدا على نقاط قوتك فتعززها، ونقاط ضعفك فتحسنها؛ لتطور من ذاتك وتحقق أهدافك.

إن إدارتك الناجحة في علاقتك الوظيفية مع مديرك هي من حسن الخلق والإحسان الذي حثنا الشارع عليها والمنافسة فيها، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن من خياركم أحسنكم أخلاقا»، وقال أيضا: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وهي كذلك سبب في خلق بيئة وظيفية إيجابية باعثة للإتقان، وداعمة للإنجاز والترقي، وجالبة للعيش في سعادة واطمئنان.

moqhim@