شاهر النهاري

حتمية العيش في عصر الدجاج

الاثنين - 24 يوليو 2023

Mon - 24 Jul 2023

تعبت البشرية الأولى، وتحايلت وتفننت لتستأنس وتدجن بعض أنواع الطيور المفيدة طوال أحقاب من الزمان، تلك الطيور القادمة من حياة انطلاق وعدم اتكالية إلى نيل حماية وطعام وشراب يقدمه لها الإنسان زلفى.

الدجاجة كانت، أو أن البيضة صارت، فلسفات حاولت تفسير تراتبية الوجود، غير أن المحصلة انتهت بارتباط الدجاج بالإنسان واعتمادهما على بعض، بخداع مستدير فيتناول الدجاج ما يقدمه لها الإنسان من بقايا طعام، وهي ترهن كامل حريتها ومصيرها لمزاجه وتدبيره.

جمع الإنسان البيض، وترك بعضه للتكاثر، واعتنى، وحرص وحرس من الكواسر والقطط، ليتمتع بفوائد الدجاج والبيض، وبالمقابل تضخمت مملكة الدجاج، وتراكبت قوانينها الجائرة، برتابة عيش، وطاعة عمياء، واتكالية وتضحية لا تقبل بعدها الدجاجة العودة للأدغال الموحشة، كثيرة الخطورة والافتراس.

الإنسان الجائع للبروتين، وخصوصا في القرن الأخير من الزمان، أعمل عقله وتحكمه، فجمع ملايين الدجاج وسط أقنان عظيمة يتفنن في تضييق ممراتها، وتسخيرها مفارخ للبيض، ومسابقة حشو طعام في بطون الدجاج المكتئب، ينثر أمامها بأوقات معينة، وبنظام تسمين ظالم، يجعل جسد الفرخة يتضخم بالهوس من خشية نفاذ الطعام، والتمادي بالتهام تنافسي دون استمتاع بحياتها، ودون مزاولة متعة أو تزاوج.

مكينات عضلية تبدع في تقديم البيض، وتسخير البروتين لغرائز الإنسان، الذي احتال وطمع وتمادى لدرجات خلط الهرمونات والمنشطات مع غذاء الدجاجة، حتى تبلغ الحجم الأكبر بأسرع وقت.

الإنسان لمصلحته يظلم ويتمادى، ويحرم، ويطبق الخناق، ويذبح، ويسرق البيض، من كائنات هشة تفتقد الهدف، وعمرها القصير لا يعطيها الخبرة والتجربة، ولولا غريزة تجبر الدجاجات على التسابق في الأكل وصنع البيض بانعدام مشاعر، لأضرب الدجاج جماعيا وحرم الإنسان من سعادته المتحايلة حتى على ضعف وتعاسة الدجاج.

ما يقارب 70 مليار من الدجاج المستزرع هو ما يوجد على سطح الأرض حاليا، متخطيا أعداد كل طيور الأرض، والعدد لا ينقص رغم ما يفنى، نتيجة عوامل التحسين والاستزراع والتفريخ، ما جعل بعض العلماء يطلقون على عصرنا عصر «الأنثروبوسين» أي «عصر الدجاج»، في إشارة إلى تشابه ذلك مع حالات العصور الجيولوجية السابقة، والتي ساد وطغى على حفرياتها نوع معين من الرواسب، تكون سمة لتلك العصور، مثل عصر الجليد والطباشير، والكربون، والعصر النحاسي، والحجري، والجوراسي، وغيرها.

وهذا المسمى يشتمل أيضا على مختلف تأثيرات الإنسان على البيئة، بالتبدلات الهائلة، التي تسببت في تغيير طبيعة الأرض، بما في ذلك الرواسب الناتجة عن التغيرات المناخية، والملوثات الكيميائية، ونواتج التجارب النووية.

ومن العجب أن الدجاجة، التي أسعدت وأشبعت وساعدت على مد حياة الإنسان، وترقية نوعية معاشه وصحته، إلا أنها تظل مأكولة مذمومة، يتم التنمر عليها حتى بالأمثال، فيوصف الخانع بأنه دجاجة. ولتحجيم الأنثى: البيت الذي تمارس فيه الدجاجة عمل الديك يؤول إلى الخراب. رغم أن العلم يقلل من عمل الديك.

وفي العنصرية يقال: الدجاجة السوداء سوف تضع البيضة البيضاء. وتقول مارغريت تاتشر إنصافا للمرأة: قد يكون الديك هو الذي يصيح، ولكن الدجاجة هي التي تبيض. وينصح إينشتاين المتميزين: لا تحذو حذو الدجاجة عندما تكون قبرة.

وأنا أضيف: إن حضارة عصرنا المغتر عرفها بسكنى الزجاج، كتب عليها حتمية التأطير بمسمى عصر الدجاج.

shaheralnahari@