سكان غزة يعودون لأفران الحطب

الاثنين - 17 يوليو 2023

Mon - 17 Jul 2023

أمسك العم سامي أكوام الحطب وألقى بها في «بيت النار»، وبسرعة اشتعلت الأخشاب وتصاعدت أعمدة الدخان، وبقطعة قماش مبللة أخذ يمسح صفيح الحديد ليزيل أي رواسب أو غبار متطاير، فهو يجهز الفرن التقليدي القديم لاستقبال أرغفة الخبز وأواني الطعام.

انتظر قليلا حتى تأكد أن الحطب تحول جمرا، وحينها استشعر حرارة اللهب عن بعد، و بـ «يكفيك أجيجا» خاطب الرجل فرنه القديم وبدأ يصف داخله أصناف وجبات ومأكولات متنوعة، استقبلها من زبائنه الذين يرغبون في طهيها بطريقة تقليدية.

مشهد لافت نقلته «إندبندنت عربية» لما يحدث في مدينة غزة المعزولة على العالم بعد الانقطاع المتواصل للكهرباء، حيث لجأ سكانها إلى إعداد خبزهم عبر أفران الحطب، التي كانت منتشرة قبل عشرات السنين وتوارت بحكم التطور الذي تشهده الحياة.

الجيل الخامس

يمثل العم سامي الجيل الخامس الذي ورث فرن الحطب التقليدي، ولا يزال يعمل فيه منذ أكثر من 50 عاما حفاظا على تقاليد عائلته التي كانت ولا تزال تمتهن طهي الطعام وتحضير الخبز بواسطة مخبز بدائي يعتمد حرق الأخشاب اليابسة.

ويعد الفرن الذي يملكه ضمن أقدم الأفران التقليدية في غزة، وهو واحد من أصل أربعة أفران موجودة في القطاع تشكل جميعها معلما مهما في المدينة المحاصرة التي تضم مبان تراثية وشكلا معماريا قديما، وكانت وسيلة رئيسة في تحضير وتجهيز قوت السكان.

يقول إنه تأسس قبل 120 عاما وأنه عمل فيه لإكمال مسيرة الأجداد في صناعة الخبز بالطريقة التقليدية نفسها، ويضيف «أعد عملي جزءا من التراث الفلسطيني يجب المحافظة عليه وتناقله عبر الأجيال، وهذه المهنة معروفة منذ القدم إذ كان يوجد فرن شعبي داخل كل حي يخدم سكان المنطقة ويؤمن حاجاتهم اليومية».

سعير النيران

لا يحب العم سامي الحديث كثيرا أثناء العمل بهدوء، فقد بدأ يراقب سعير النار وكلما هدأت أضاف لها مزيدا من الأخشاب اليابسة فيعود لهيبها من جديد، وفي الوقت نفسه يقلب الأواني داخل الفرن ويقرب إحداها من الحطب ويبعد الأخرى من اللظى، ويفعل ذلك حتى يتأكد من استواء الطعام من دون أن يحترق. وفي فرن العم سامي يكون الزائر دخل آلة الزمن، إذ يعود لحقبة الحكم العثماني، فالرجل لا يزال يحتفظ بهيئة فرنه المعمارية ليشعر زواره بعبق التاريخ وعراقة الماضي، ولم يجر عليه أي تطوير إذ لا تزال جدرانه العتيقة مشيدة من الطوب الأحمر الذي يتحمل درجة حرارة عالية، وسطحه مكون من صفيح ثقيل وحتى فوهة الفرن المقوسة هي ذاتها من أيام الجدود، وبيت النار أو مكان اشتعال الحطب تقليدي. يوضح أن هذا السر هو ما جعله يتمسك بهذه المهنة غير المثمرة ماليا، وأيضا السر وراء جذب كثير من الزبائن، فالفرن التقليدي يجعل من الخبز الذي ينتجه سلعة مطلوبة بشدة، خصوصا أنه يمتاز عن غيره باعتماده على الحطب والأخشاب والزيت المساعد في الاشتعال، وهو ما يكسب الطعام مذاقا مميزا.

انقطاع الكهرباء

ويعود تزايد الإقبال على أفران الحطب في غزة لظروف انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار غاز الطهي، حيث يصل التيار لمدة أربع ساعات فقط، بينما تبلغ كلفة أسطوانة الغاز نحو 20 دولارا، ولا يتجاوز طهي الطعام وخبز أرغفة العجين الدولار الواحد عند العم سامي الذي يجني في اليوم نحو 25 دولارا.

ويؤكد العم سامي أن طول فترة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الغاز وسط تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية في غزة زادا نسب الإقبال على فرنه، لافتا إلى أن الزبائن باتوا ينتظرون في الدور من أجل طهي طعامهم.

وأثرت أزمة الكهرباء في المخابز الآلية، وفي هذه الظروف لم يعد العم سامي يقتصر عمله على الطهي والخبز بل بات يستقبل أشخاصا يرغبون في تحميص المكسرات والقهوة العربية، في إشارة إلى مدى معاناة سكان القطاع تحت وطأة الأزمة.