وليد الزامل

الأحياء السكنية والارتقاء بصحة المجتمعات

السبت - 13 مايو 2023

Sat - 13 May 2023

أشرت في أكثر من مقال إلى أهمية العناية بتخطيط الأحياء السكنية لكونها منظومة حياة متكاملة وليست مجرد بناء مادي محض. تخطيط الأحياء السكنية يمكن أن يكون مدخلا للارتقاء بأنماط معيشة السكان وتعزيز التفاعل الاجتماعي، والصحة الجسدية والعقلية.

محليا اختزلت الصورة النمطية للحي السكني باعتباره مكانا للسكن، حيث تقيم الأسر في وحدات سكنية منفصلة وصغيرة دون تفاعل اجتماعي أو فرص اقتصادية أو مشاركة اجتماعية. وهكذا أصبح مفهوم الحي السكني مرادفا للطلب العقاري بدلا من أن يكون وسيلة لبناء مجتمعات مستدامة. إشكالية هذه الأنماط العمرانية تأتي من كونها «أنماطا معلبة» لا تقدم أي جديد، فهي عبارة عن تجمعات سكانية مخدومة جزئيا بالمرافق ويقضي السكان جل وقتهم في مساكنهم دون تفاعل اجتماعي.

تبدو الحاجة ماسة لإعادة النظر في ممارسات التنمية العمرانية من الفكر التقليدي القائم على أساس استيعاب السكان إلى الارتقاء بأساليب المعيشة وبناء مجتمعات قادرة على الإنتاج والعيش بسعادة، ويأتي ذلك منسجما مع رؤية 2030 بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والوطنية والتي وضعت مؤشرات طموحة وبرامج لجودة الحياة، والارتقاء بالمدن السعودية وتعزيز تنافسيتها كمكان مفضل للعيش.

في الحقيقة الوصول إلى هذا المفهوم لا يقتصر على تطوير الجانب المهني في مجال التخطيط أو التصميم العمراني فحسب؛ بل تطوير سياسات عمرانية لديها القدرة على مواجهة تحديات التطوير القائم على استغلال الأرض لمصلحة المستثمر مقابل المصلحة العامة. بعبارة أخرى من الأهمية بمكان أن تركز السياسات العمرانية على تحقيق التنمية المستدامة من خلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للأجيال الحالية والمستقبلية. ويستلزم ذلك تطوير التشريعات العمرانية وإجراءات التطوير العقاري للارتقاء بواقع الأحياء السكنية التقليدية، والذي بدوره يتطلب تأهيل وتخريج عدد مناسب من المتخصصين في مجال «التخطيط العمراني».

عكفت الأسبوع الماضي على قراءة كتاب بعنوان «تشكيل المجاورات السكنية للصحة المحلية والاستدامة العالمية» ترجمه الدكتور عبدالعزيز الدوسري الأستاذ المشارك في قسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود. يعد الكتاب بمثابة دليل إرشادي لكل باحث ومهني ومتخصص في مجال التخطيط العمراني لتشكيل أحياء سكنية ترتقي بالصحة العامة، ويضع تصورا شموليا لمفهوم الحي السكني باعتباره مكانا للعيش والعمل والترفيه، وهو ما يعني بناء إطار واضح للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية قائمة على أساس التنوع في أنماط الإسكان، واستعمالات الأراضي، وبدائل النقل، وفرص المشاركة المجتمعية.

كما يشدد الكتاب على إعادة ابتكار الهوية العمرانية للأحياء السكنية كأماكن خلاقة ذات قيمة جمالية وثقافية تعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لترتقي بجودة حياة قاطنيها. يمكن أن يحسن هذا المفهوم أنماط الحياة والصحة العامة، فالحي السكني يعكس الممارسات الحياتية لسكانه. من هذا المنطق يشجع الحي السكني بناء مجتمعات صحية؛ فممارسة المشي جزء من طبيعة الممارسات اليومية لسكان الحي السكني يتم تعزيزها بتأهيل شبكة مشاة للانتقال بين خدمات الحي وليست بالضرورة أن تكون مسارا طوليا مخصصا للمشي خارج إطار الحي السكني.

يؤكد الكتاب على أهمية التخطيط العمراني في خلق مدن تدعم برامج المدن الصحية وتقدم نماذج لنهج متكامل للمجاورات السكنية ترتقي بالصحة البدنية والعقلية وتعزز التفاعل الاجتماعي بين الإنسان والبيئة في المناطق الحضرية.

وختاما فمن المؤسف حقا عدم إدراك (بعض) أصحاب القرار الإطار الشمولي لتخصص «التخطيط العمراني» والأبعاد التي يؤثر بها اقتصاديا واجتماعيا وصحيا داخل المدينة؛ وقبل ذلك كله إدراك دوره في ترجمة الأهداف الوطنية والإقليمية والمحلية ضمن الحيز العمراني.

waleed_zm@