عبدالله قاسم العنزي

أركان القرينة القضائية وشروط تطبيقها

الاحد - 16 أبريل 2023

Sun - 16 Apr 2023

إن البيّنة هي كل ما يبيّن الحق ويظهره دون قصره على وسيلة دون أخرى، والشرع الحنيف يهدف إلى إقامة العدل ومنع الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها بأية وسيلة صحيحة، وسواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة وأهم هذه البينات التي لا يستطيع التعامل معها من بعض المحامين والمستشارين القانونيين وبعض القضاة باحترافية ومهنية عالية ألا وهي القرائن والتي تعد من المسائل المهمة في الإثبات، حيث إن الخطأ في تقدير القرائن واستنباط بعض أحوال الواقعة على احتمالات ظنية ضعيفة وبناء حكم قضائي عليها يعد هدرا لحقوق الناس وعدم أخذ الحيطة وتحري وجه الصواب وقد استقر الفقه والقضاء على أنه إذا تبين للقاضي أن الحكم الذي صدر منه خطأ فإنه يرجع عنه وينقضه ويقضي بالحق؛ لأن الحق هو الأصل المعول عليه والحكم عنوان للحقيقة سواء في ما أثبته من وقائع أم ما توصل إليه من نتائج وعلى ذلك كان طرح مثل هذا الأمر على بساط الإعلام مهم جدا.

تعرف القرينة بأنها الأمارات القوية التي يستدل بها القاضي على وقوع أمر خفي من الأوصاف الدالة على ثبوت الواقعة القضائية المؤثرة في الحكم نفيا أو إثباتا ولخصها بعض الفقهاء بأنها أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول والمستقر أن الحقيقة القضائية طبيعتها نسبية ومن ثم يكفي أن يؤسس القاضي لعقيدته بناء على احتمالات ذات درجة عالية من الثقة دون أن يناقضها أي احتمال آخر ورغم ذلك فإن القاضي ملزم في تقدير أدلته في حكمة أن تكون مبنية على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين ولا تعارض في ذلك، حيث أن الاستدلال في القرائن التي تضافرت مع بعضها البعض تصل إلى مرتبة غلبة الظن على حدوث الفعل وإذا أخذنا باليقين المطلق خصوصا في القضايا التي لا تدرأ بالشبهات أهدرنا الكثير من الأحكام القضائية.

إن القرينة القضائية تحديدا قرينة موضوعية تستمد من ظروف الدعوى وملابساتها فأساسها الوقائع المطروحة على بساط البحث والتأمل في مجلس القضاء ولها ركنان أساسيان لا بد من توافرهما فيها أحدهما واقعة ثابتة يختارها القاضي من بين وقائع الدعوى وتسمى هذه الواقعة بالدلالة أو بالأمارة وهذه هو الركن المادي للقرينة القضائية والآخر عملية استنباط القاضي ليصل من خلال هذه الواقعة الثابتة إلى واقعة مجهولة وهي الواقعة المراد إثباتها وهذا هو الركن المعنوي وهناك شروط وضوابط ذكرها شراح القانون يجب مراعاتها عند تطبيق عملية البحث والتأمل والاستنباط في الدعوى المطروحة أمام قاضي الموضوع ونذكرها على النحو التالي:

أولا: يجب أن توجد صلة بين الأمر الثابت والقرينة التي أخذت منه عملية الاستنباط والاستنتاج وذلك باستخراج المعاني والنصوص والوقائع بالتأمل والتفكير وهذه الصلة بين القرينة وبين الأمر المصاحب لها تختلف من حالة إلى أخرى ولكن بشرط أن تكون العلاقة قوية بينهما وتقوم على أساس سليم ومنطق صحيح ولا يعتمد على مجرد الوهم والظن الضعيف؛ لأن المهم أن يكون عند الإنسان علم في الدعوى يكاد أن يصل إلى ما يماثل العلم الحاصل من الشهود أو غير ذلك من الأدلة الأخرى وهذا يحصل بالتأكيد من قوة المصاحبة والمقاربة بين الأمر الظاهر أو الثابت وبين القرينة المستنبطة منه.

ثانيا: يجب أن تكون الدلائل ثابتة ثبوتا يقينيا على سبيل الجزم والتأكيد ولا تحتمل الجدل؛ لأنها الأساس الذي سيقام عليه الدليل ولا يصح إقامة الدليل على دلالة مشكوك فيها؛ لأن القاعدة ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.

ثالثا: يجب أن تكون الأوراق الخاصة التي استمد منها القاضي الوقائع ضمن مستندات الدعوى فلا يصح أن يستدل القاضي بأوراق أو وقائع خارج بساط البحث والدراسة في مجلس القضاء بل يجب أن يستمد هذه القرائن من تقارير الخبراء والتحاليل المخبرية أو محاضر الضبط وغيرها مما هو ضمن مستندات الدعوى.

رابعا: يجب أن تكون هذه الدلائل صحيحة غير مضلله أو مفتعلة وذلك حتى يكون الاستنباط منها مطابقا للحقيقة الواقعية وعلى القاضي أن يتأكد من أن هذه الدلائل بأنها صحيحة لم ترتكب ولم يعبث بها أحد بقصد تضليل العدالة.

ختاما: لا يشترط أن يبني القاضي حكمه على عدة قرائن إذ أن العبرة ليست بعدد القرائن التي يستوفيها القاضي في حكمه وإنما العبرة بقوة القرينة واستنتاجها في الإثبات فمتى بنى القاضي حكمه على قرينة قوية الدلالة مستنبطة استنباطا سائغا من الثابت في وقائع الدعوى والظروف المحيطة بها فليس عليه معقب في ذلك ومع ما سبق وتقدم فإنه يجوز للخصم نقض القرينة القضائية بأي أدلة من أدلة الإثبات.

expert_55@